للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن حياءه الفطرى حال بينه وبين إعلان نبوته فترة غير قصيرة، ولم تتبد شكوكه إلا بعد أن خضع لإحدى الخبرات الخارقة فى غار حراء. ذلك بأن طائفاً تجلى له هنالك يوماً، هو الملك جبريل، على ما تمثله محمد فى ما بعد، فأوحى إليه أن الله قد اختاره لهداية الأمة، وآمنت زوجه فى الحال برسالته المقدسة، وتحرر هو نفسه من آخر شكوكه بعد أن تكررت الحالات التى ناداه فيها الصوت الإلهى وتكاثرت. ولم تكد هذه الحالات تنقضى حتى أعلن ما ظن أنه قد سمعه كوحى من عند الله" (١) .

... وبالتأمل فى هذه المزاعم، ترى أنها مع طعنها فى الوحي المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم تطعن فى عصمته فيما بلغه من الوحي عن ربه عز وجل.

... ويجاب عن هذه المزاعم بما يلى:

أولاً: هذا الذى يروجه الملحدون اليوم باسم – الوحي النفسى – زاعمين أنهم بهذه التسمية، قد جاءونا برأى علمى جديد، وما هو بجديد، وإنما هو الرأى الجاهلى القديم، لا يختلف فى جملته ولا فى تفصيله، فقد صور أهل الجاهلية من قبل، النبى صلى الله عليه وسلم، رجلاً ذا خيال واسع وإحساس عميق، فهو إذن شاعر، ثم زادوا فجعلوا وجدانه يطغى كثيراً على حواسه، حتى يخيل إليه أنه يرى ويسمع شخصاً يكلمه؛ وما ذاك الذى يراه ويسمعه إلا صورة أخليته ووجد آناته، فهو إذن الجنون أو أضغاث الأحلام؛ فأى جديد ترى فى هذا كله؟ أليس كله حديثاً معاداً يضاهئون به قول جهال قريش؟! وهكذا كان الإحاد فى ثوبه الجديد صورة منسوخة بل ممسوخة منه فى قديمه (٢) .


(١) تاريخ الشعوب الإسلامية ص٣٦، وينظر: آراء المستشرقين حول القرآن وتفسيره للدكتور عمر بن إبراهيم ١/٣٨٢، ومناهج المستشرقين فى الدراسات العربية الإسلامية لجماعة من العلماء ١/٢٦، ٢٢٨، والاستشراق فى السيرة النبوية لعبد الله الأمين ص٣٩.
(٢) النبأ العظيم للدكتور محمد دراز ص٨٤ هامش بتصرف.

<<  <   >  >>