للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتأمل قوله صلى الله عليه وسلم: "أقضى بينكم برأيى... الخ" مع وصف رب العزة هذا الرأى بأنه من عنده فى قوله تعالى: {لتحكم بين الناس بما أراك الله} وتأمل مع ذلك قول عمر بن الخطاب رضى الله عنه وهو على المنبر: "يا أيها الناس، إن الرأى إنما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيباً، لأن الله كان يريه، وإنما هو منا الظن والتكلف" (١) وهذا الكلام صريح فيما قررته من أنه صلى الله عليه وسلم يحكم باجتهاده، وهو فى هذا الاجتهاد معصوم لا يخطئ فيه.

وقوله تعالى: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون} (٢) وأفرد الضمير فى قوله "ليحكم" لإفادة أن حكم الله ورسوله واحد. قال الأستاذ عبد الله الغمارى: "وفى الآية دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم معصوم فى أحكامه الاجتهادية لا يخطئ فيها، لأن الله تعالى جعل حكم نبيه حكمه، والخطأ فى حقه تعالى محال. فما زعمه بعض مبتدعة هذا العصر من نسبة الخطأ إليه صلى الله عليه وسلم فى بعض أحكامه الاجتهادية ضلال مبنى على جهل، لأن الخطأ الاجتهادى لا يقر عليه صلى الله عليه وسلم، إذ ينزل التنبيه وبعد التنبيه والتصحيح لا خطأ، وزاد بعضهم جهلاً وضلالة، فجوز مخالفة بعض قضاياه صلى الله عليه وسلم الاجتهادية، إذا اقتضت المصلحة ذلك، ولا أدرى كيف خفيت عليه هذه الآية؟ وآية سورة النساء؟ (٣) وأى مصلحة تقتضى مخالفة حكمه؟ والقرآن ينفى الإيمان عمن لم يسلم له تسليماً" (٤) .


(١) سبق تخريجه ص٣٣٥.
(٢) الآية ٥١ النور.
(٣) وهى قوله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما} الآية ٦٥ النساء.
(٤) دلالة القرآن المبين ص١٠٣ بتصرف.

<<  <   >  >>