للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

.. أما كون رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما نص القرآن، ما عليه إلا البلاغ، والاستدلال بظاهر ذلك على حصر مهمته فى بلاغ القرآن فقط، فإن ذلك فهم غير مراد؛ لأن قوله تعالى: {ما على الرسول إلا البلاغ} (١) معناه نفى الإكراه على الاعتقاد والإيمان، نحو قوله تعالى: {قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل} (٢) وقال سبحانه: {فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلا البلاغ} (٣) والمعنى: نفى الإكراه على الإعتقاد والإيمان.

ففى العقيدة والتصديق القلبى، لا إكراه، أى ليس هناك إلا البلاغ.

أما فى شريعة الدولة والسياسة والاجتماع والمعاملات، فهناك السلطان والثواب والعقاب، وليس هناك أدنى تناقض بين وقوف سلطان الرسول صلى الله عليه وسلم، فى العقيدة عند البلاغ؛ {لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى} (٤) وبين وجود ووجوب الطاعة المتميزة له، فى إطار بيان وتطبيق الوحى الإلهى...

بل إن القرآن الكريم يجمع بين الأمرين فى الآية الواحدة. وتأمل قوله تعالى: {قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين} (٥) فالرسول الله صلى الله عليه وسلم، طاعة متميزة وسلطان وتشريع لإقامة الدين، والإقامة تطبيق وتجسيد، يزيد على مجرد البلاغ والتبليغ بدليل ما يلي:

قوله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (٦) و"التبيين" هنا غير "التبليغ" الذى هو الوظيفة الأولى للنبى صلى الله عليه وسلم، {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} (٧) .


(١) الآية ٩٩ المائدة.
(٢) الآية ١٠٨ يونس.
(٣) الآية ٤٨ الشورى.
(٤) الآية ٢٥٦ البقرة.
(٥) الآية ٥٤ النور.
(٦) الآية ٤٤ النحل.
(٧) الآية ٦٧ المائدة.

<<  <   >  >>