للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدائرة بالقياس إلى المركز، ويستوي هو بالقياس إلى كل منها.

تلك حال المعنى الواحد الذي تتصل أجزاؤه فيما بينها اتصالًا طبيعيًّا.

فما ظنك بالمعاني المختلفة في جوهرها، المنفصلة بطبيعتها؟ كم من المهارة والحذق، بل كم من الاقتدار السحري يتطلبه التأليف بين أمزجتها الغريبة واتجاهاتها المتشعبة؟ حتى لا يكون الجمع بينها في الحديث كالجمع بين القلم والحذاء والمنشار والماء؛ بل حتى يكون لها مزاج واحد واتجاه واحد، وحتى يكون عن وحداتها الصغرى وحدة جامعة أخرى.

إنه من أجل عزة هذا المطلب نرى البلغاء وإن أحسنوا وأجادوا إلى حد ما في غرض غرض، كان منهم الخطأ والإساءة في نظم تلك الأغراض كلًّا أو جلًّا، "فالشعراء" حينما يجيئون في القصيدة الواحدة بمعان عدة، أكثر ما يجيئون بها أشتاتًا لا يلوي بعضها على بعض، وقليلًا ما يهتدون إلى حسن التخلص من الغرض إلى الغرض، كما في الانتقال من النسيب إلى المدح .. "والكتاب" ربما استعانوا على سد تلك الثغرات باستعمال أدوت التنبيه أو الحديث عن النفس؛ كقولهم: ألا وإن - هذا ولكن - بقي علينا - نعود - ولننتقل - قلنا - وسنقول. . .

هذا شأن الأغراض المختلفة إذا تناولها الكلام الواحد في المجلس الواحد. فكيف لو قد جيء بها في ظروف مختلفة وأزمان متطاولة؟ ألا تكون الصلة فيها أشد انقطاعًا، والهوة بينها أعظم اتساعًا؟

فإن كنت قد أعجبك من القرآن نظام تأليفه البياني في القطعة منه، حيث الموضوع واحد بطبيعته، فهلمَّ إلى النظر إلى السورة منه حيث الموضوعات شتى والظروف متفاوتة، لترى من هذا النظام ما هو أدخل في الإعجاب والإعجاز.

ألست تعلم أن ما امتاز به أسلوب القرآن من اجتناب سبيل الإطالة والتزام جانب

<<  <   >  >>