للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نحسب أحدًا في حاجة إلى الاستدلال عليه بأكثر من اسم "الأمية" الذي يشهد عليهم بأنهم كانوا خرجوا من بطون أمهاتهم لا يعلمون من أمر الدين شيئًا، وكذلك اسم "الجاهلية" الذي كان أخص الألقاب بعصر العرب قبل الإسلام، فهؤلاء الذين فقدوا أساس هذا العلم في أنفسهم حتى اشتُق لهم من الجهل اسم، كيف يحملون وسام التعليم فيه لغيرهم، بله التعليم لمعلمهم الذي وسمهم بالجهل غير مرة في كتابه، وسرد جهالاتهم في غير سورة من هذا الكتاب، حتى قيل: إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما بعد المائة من سورة الأنعام.

وأما أنه لم يكن له معلم من غيرهم فحسب الباحث فيه أن نحيله على التاريخ وندعه يقلب صفحات القديم منه والحديث، والإسلامي منه والعالمي، ثم نسأله: هل قرأ فيه سطرًا واحدًا؟ يقول: إن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب لقي قبل إعلان نبوته فلانًا من العلماء فجلس إليه يستمع من حديثه عن علوم الدين، ومن قصصه عن الأولين والآخرين.

ليس علينا أن نقيم برهانًا أكبر من هذا التحدي لإثبات أن ذلك لم يكن، وإنما على الذين يزعمون غير ذلك أن يثبتوا أن ذلك قد كان، فإن كان عندهم علم فليخرجوه لنا إن كانوا صادقين.

[البحث عنه بين أهل العلم]

لا نقول: إنه ﵇ لم يلق ولم ير بعينه أحدًا من علماء هذا الشأن لا قبل دعوى النبوة ولا بعدها. فنحن قد نعرف أنه رأى في طفولته راهبًا اسمه بحيرا في سوق بُصرَى بالشام، وأنه لقي في مكة نفسها عالمًا اسمه ورقة بن نوفل، وكان هذا على إثر مجيء الوحي العلني، له وقبل إعلان نبوته بثلاثين شهرًا، كما نعرف أنه لقي بعد إعلان نبوته كثيرًا من علماء اليهود والنصارى في المدينة. ولكننا ندعي دعوى محدودة، نقول: إنه لم يتلقَّ عن أحد من هؤلاء العلماء لا قبل ولا بعد، وإنه قبل نبوته لم يسمع منهم

<<  <   >  >>