للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

كُفْراً وَإِن لم ينف جَحده ذَلِك كَانَ جَحده فسقاً وضلالاً، ثمَّ الشَّاهِد للحضرة النَّبَوِيَّة وَغَيره قد يتفقان فِي الْكفْر بالإنكار وَقد يَخْتَلِفَانِ فيتفقان فِي الْكفْر بإنكار الضَّرُورِيّ كالإيمان برسالة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا جَاءَ بِهِ من وجود ذَات الله الْمُقَدّس سُبْحَانَهُ، وانفراده تَعَالَى بِاسْتِحْقَاق الْعُبُودِيَّة على الْعَالمين فَلَا شريك لَهُ لِتَفَرُّدِهِ بالألوهية المستلزم لقدمه وانفراده بالخلق المستلزم لكَونه تَعَالَى حَيا عليماً قَادِرًا مرِيدا، ومِنْ أنْ الْقُرْآن كَلَام الله وَمَا يتضمنه الْقُرْآن من الْإِيمَان بِأَنَّهُ تَعَالَى مُتكلَّم سميع مُرْسِل لرسل قَصَّهم علينا ورسل لم يقصهم علينا، ومنزل للكتب، وَله عباد مكرمون وهم الْمَلَائِكَة، ومِنْ أَنه فرض الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصَّوْم وَالْحج، ومِنْ أَنه يُحيي الْمَوْتَى وَأَن السَّاعَة آتِيَة لَا ريب فِيهَا وَمن أَنه حرّم الزِّنَا وَالْخُمُور والقمار فإنكار شَيْء من هَذَا كفر فِي حق الْفَرِيقَيْنِ، ويختلفان فِيمَا نُقِل آحاداً كسؤال الْملكَيْنِ وَوُجُوب زَكَاة الْفطر فَلَا يكفر بإنكاره إِلَّا الشَّاهِد فَقَط مَا لم يدِّع نَحْو نَسْخ لِأَنَّهُ علم بِالضَّرُورَةِ مَجِيء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهِ لسماعه مِنْهُ، وَقيل إِنْكَار سؤالهما كفر وَلَو فِي حق الْغَائِب لتواتره معنى، وَمحله إِن أنكرهُ بعد تواتره عِنْده بِخِلَافِهِ قبله لِأَنَّهُ لَا تَكْذِيب فِيهِ حينئذٍ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا فِيهِ تَكْذِيب أَو تغليط للرواة أَو نَحْوهمَا، ومنْ ثمَّ لَو علم مِنْهُ أَنه ردَّه استخفاناً لأجل التَّصْرِيح بِهِ فِي السّنة دون الْقُرْآن كفر، وَلَا يكفر بإنكار قعطيِّ غير ضَرُورِيّ كاستحقاق بنت الابْن السُّدس مَعَ بنت الصلب، وَظَاهر كَلَام الْحَنَفِيَّة كُفْرَهُ وَيجب حمله أَي بِنَاء على قواعدهم على مُنكر عَلِم أَنه قَطْعِيّ وَإِلَّا فَلَا يكفر إِلَّا إِذا ذكر لَهُ أهل الْعلم أَنه من الدّين، وَأَنه قَطْعِيّ، فتمادى فِيمَا هُوَ عَلَيْهِ عناداً فيكفُر لظُهُور التَّكْذِيب مِنْهُ حينئذٍ كَمَا دلّ عَلَيْهِ كَلَام إِمَام الْحَرَمَيْنِ. وَأما التبري من كل دين يُخَالف دين الْإِسْلَام فَإِنَّمَا شَرطه جُمْهُور الشَّافِعِيَّة فِي حق من يخص رِسَالَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالعرب لإجراء أَحْكَام الْإِسْلَام عَلَيْهِ لَا لثُبُوت إيمَانه واتصافه بِهِ فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى، فَإِنَّهُ لَو اعْتقد عُمُوم الرسَالَة وَأَنِّي بِالشَّهَادَتَيْنِ فَقَط كَانَ مُؤمنا عِنْد ذَلِك وَهُوَ معنى التبري الْمَذْكُور، وَقيل لَا يشْتَرط التبري مُطلقًا لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَكْتَفِي بِالشَّهَادَتَيْنِ فَقَط من أهل الْكتاب مُطلقًا، وَيُجَاب بِأَن كل من كَانَ بِحَضْرَتِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسمع مِنْهُ ادَّعاء عُمُوم الرسَالَة فَإِذا شهد أَنه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لزم تَصْدِيقه إِجْمَالا فِي كل مَا يدَّعيه وتفصيلاً فِيمَا علمه من ذَلِك تَفْصِيلًا، بِخِلَاف مَنْ لم يسمع ادِّعاء عمومها لجَوَاز أَن يجهل تَوَاتر ذَلِك فاحتيج لتلفظه بالتبري السَّابِق، وَبَعض التفاصيل الْمَذْكُورَة المندرجة تَحت الشَّهَادَتَيْنِ اخْتلف فِيهَا هَل التَّصْدِيق بهَا دَاخل فِي مُسَمّى الْإِيمَان فيكفر منكرها أَولا فَلَا، فَمن ذَلِك اخْتِلَاف أهل السّنة فِي تَكْفِير الْمُخَالف فِي بعض العقائد بعد اتِّفَاقهم على كفر الْمُخَالف فِي بعض الْأُصُول الْمَعْلُوم ضَرُورَة، كالقول بقدم الْعَالم وَنفي حشر الأجساد وَنفي علمه تَعَالَى بالجزئيات وَنفي فعله بِالِاخْتِيَارِ، بِخِلَاف مَا لَيْسَ كَذَلِك كنفي مبادىء الصِّفَات مَعَ إِثْبَاتهَا كَقَوْل المعتزلي عاليم بِلَا علم وكنفي عُمُوم الْإِرَادَة للخير وَالشَّر كالقول بِخلق الْقُرْآن فَقَالَ جمَاعَة هُوَ كفر. وَالصَّحِيح عِنْد جُمْهُور الْمُتَكَلِّمين وَالْفُقَهَاء والأشعري خِلَافه انْتهى مُلَخصا، وَهُوَ مُشْتَمل على صرائح مُتعَدِّدَة فِيمَا ذكرته أَو لَا من الِاكْتِفَاء بالتصديق الإجمالي فِي ابْتِدَاء الْإِيمَان بِخِلَاف دَوَامه وَبِخِلَاف مُلَاحظَة التفاصيل فَإِنَّهُ لَا بُد فيهمَا من التَّصْدِيق التفصيلي، فَمن تِلْكَ الصرائح قَوْله: فَاكْتفى بالإجمالي الخ، وَقَوله: مَحل إِن أنركه بعد تواتره عِنْده الخ وَقَوله: وَيجب حمله، وَقَوله: فَإِنَّهُ لَو اعْتقد عُمُوم الرسَالَة وأتى بِالشَّهَادَتَيْنِ فَقَط كَانَ مُؤمنا عِنْد الله الخ، وَقَوله فَإِذا شهد أَنه رَسُول الله لزم تَصْدِيقه إِجْمَالا الخ، فَتَأمل ذَلِك يَتَّضِح لَك مَا ذكرته. إِذا تقرّر ذَلِك فَقَوْل السَّائِل: هَل يَكْفِي فِيهِ التَّصْدِيق الإجمالي؟ جَوَابه: نعم بِشَرْطِهِ السَّابِق، وَهُوَ أَنه يَكْتَفِي مِنْهُ بذلك ابْتِدَاء عِنْد عدم مُلَاحظَة التفصيلي وَإِلَّا لم يكف، بل لَا بدَّ من التَّصْدِيق التفصيلي، وَقَوله: فَإِن قُلْتُمْ بِالْأولِ الخ. جَوَابه: أَن التَّصْدِيق بذلك لَهُ جهتان: إجمالي: وَهُوَ مندرج فِي التَّصْدِيق بالوحدانية ورسالة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا يَكْفِي مِمَّن لم يخْطر بِبَالِهِ شَيْء من التفاصيل الْمَعْلُومَة من الدّين بِالضَّرُورَةِ وتفصيلي: وَهُوَ شَرط فِيمَن لحظ شَيْئا من تِلْكَ التفاصيل فَلَا يكون مُؤمنا حَتَّى يُصدِّق بِمَا لحظه أَو عرفه مِنْهَا، وَقَوله فَمَا الْقدر الْمَعْلُوم من الدّين بِالضَّرُورَةِ؟ جَوَابه: أَنه قد سبق ضابطه وَهُوَ أَن يكون قَطْعِيا مَشْهُورا بِحَيْثُ لَا يخفى على الْعَامَّة المخالطين للْعُلَمَاء بِأَن يعرفوه بداهة من غير إفتقار إِلَى نظر واستدلال، وَلذَلِك مَثَل مِنْهَا فِي الاعتقادي

<<  <   >  >>