للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[حتى نحقق النصر والفلاح]

أخي هل تراك سئمت الكفاح ... وألقيت عن كاهليك السلاح

فمن للضحايا يواسي الجراح ... ويرفع راياتها من جديد

(١)

إخوتنا الدعاة إلى الله - والأصل أن أبناء أمتنا كلهم دعاة إلى الله - يا من حملتم مشاعل الأمل لهذه الأمة في طريقها إلى العودة والنصر. إخوتنا إن مسئوليتنا تعظم مع هذه المآسي, فتقصيرنا في الدعوة وفي تربية أنفسنا التربية القوية في شتى الجوانب الهامة يعني إطالة معاناة الأمة واستمرار مذابح إخواننا.

فهل نهنأ والحال كذلك!!؛....

إن أملنا في حاملي مشاعل الأمل هو أن:

يحققوا أولاً صدق إخلاصهم وتجردهم لله (٢) ,

وصدق محبتهم له سبحانه (٣) ,

وارتفاعهم في درجات العبودية,

وقوتهم في أعمال القلوب, وسلامتهم من أمراضها (٤) , (فهذه الأمور من أقوى عوامل الفلاح والنصر) .

وأن يلتزموا ما ورد في الكتاب والسنة والدليل الصحيح -فلا فلاح ولا نصر بدون هذا-,.. وحتى لا نقع في تمييع أحكام الدين أو التنطع,

وأن يكونوا قدوة حقة تتحدث أفعالهم قبل أقوالهم (٥) ,

وأن يكونوا قمة في أخلاقهم (٦) ,


(١) شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث: حسني جرار، أحمد الجدع، (الجزء الرابع) من القصيدة البليغة المؤثرة «أخي» لسيد قطب، ص ٤٤
(٢) إن الإخلاص كما قال علماؤنا عزيز وتحقيقه يتطلب جهداً كبيراً وحرصاً بالغاً وهو هام جداً, فأولاً: ضعف الإخلاص قد يحبط العمل وقد يؤدي بالمسلم إلى الهلاك, وثانياً: هو عامل هام يؤدي عدم تحقيقه إلى تأخر نصر أمتنا بلا شك. ولا تخفى التنبيهات العديدة في القرآن العظيم والأحاديث الشريفة وكلام الكثير من علماء الإسلام في السابق والحاضر عن أهمية هذا الجانب والانتباه للصدق في تحقيقه, خاصة أن الشوائب والضعف في الإخلاص قد توجد بدون أن ينتبه لها الداعية أو العالم, فقد يظن نفسه محققاً الإخلاص بينما قد يوجد في إخلاصه الكثير من النقص والعديد من الشوائب التي تساهم في دفعه للدعوة بدون أن يشعر بها, وقد نبه الإمام محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد إلى مثل هذا الأمر عندما علق على قوله تعالى قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين فبين أن من المسائل المستفادة من هذه الآية التنبيه على الإخلاص فقال: (فيه مسائل. . . الثانية: التنبيه على الإخلاص لأن كثيرا لو دعا إلى الحق فهو يدعو إلى نفسه) , أي أنه قد يكون سبب دعوته هو تحقيق شهوات خفية لإرضاء نفسه وإسعادها لإتباع الناس لما يقول, أو لفرحٍ دنيوي بأنه أصبح ذو شأن ونشاط وذو حركة وتميز (كما يحصل لمقتنع أي فكر أومبدأٍ أرضي يعمل ويبذل من أجله) , وليس دافعه الأساس الدعوة إلى الله, وفي الحديث الصحيح: (يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل) (صحيح الترغيب والترهيب: تحقيق الألباني) . ونبه ابن رجب الحنبلي رحمه الله لشوائب الإخلاص في رسالته الهامة عن شرح حديث (ما ذئبان جائعان) , ولسيد قطب رحمه الله لفتات وتوجيهات هامة جداً عن الإخلاص والتجرد لله, ذكرها في أكثر من موضع في الظلال خاصة عند حديثه عن وعد الله للمسلمين بالنصر, فحبذا الرجوع إليها.
(٣) تحقيق المحبة الصادقة ليس بالأمر الهين ويحتاج إلى جهد ومجاهدة,.. فهل حقاً أن الله ورسوله (وما يحباه!!) أحب إلينا من أنفسنا!!!! ومما سواهما؟! ,..... وهل نحن حقاً نتأثر!! ونغضب لله أويتمعر وجهنا ونتألم! عند رؤية المنكرات أو سماع أخبارها!! وما يتعلق بها!!!!! (كما لو أن شيئاً يصيبنا) ؟!!! ,.... وهل نحن حقاً نحب في الله!! ونبغض في الله؟!!
(٤) كان سلفنا الصالح مثل شيخ الإسلام ابن تيميه وابن القيم وغيرهما يهتمون بأعمال القلوب ويحذرون من أمراضها وخطورتها, ويركزون بالذات على من تصدر للدعوة من أهل الصلاح خوفا عليهم من الضعف فيها, فإثم ذلك عظيم وشره كبير. وليتنا نرجع إلى كتبهم ورسائلهم عن هذا الجانب, ومنها «التحفة العراقية في أعمال القلوب» لشيخ الإسلام إبن تيمية. ومن جانب آخر فإن تحسن المسلم في أعمال القلوب يرفعه درجات أكبر وأكبر مما ترفعه أعمال الجوارح. وأيضاً قد توجد في الإنسان - وهو غير منتبه- العديد من أمراض القلوب الخطيرة مثل الكبر والعجب والحسد والرياء وغيرها والتي هي كما ذكر ابن القيم رحمه الله في المدارج أبغض إلى الله وأخطر من العديد من الكبائر الظاهرة. وحقيقة أننا عندما نرى الاختلاف بين بعض فئات الصحوة من جهة, أوبين فئات الصحوة وغيرهم من المثقفين والمفكرين الخيرين من جهة أخرى فإن سببه الأهم (والله أعلم) الضعف في الإخلاص وفي أعمال القلوب والتي تجعل الإنسان لا يتقبل الرأي الآخر حتى مع وضوح وإيضاح!! الحق والدليل الشرعي فيه!! , نظراً لما قد أصابه من أمراض القلوب من عجب بالنفس والرأي, وكبر على الآخرين وعلى تقبل الحق منهم, وحب للرياسة.- ولا شك أيضاً أن من عوامل تأخر النصر الضعف في أعمال القلوب ووجود أمراضها, ولا أدل من ذلك من أن الصحابة الأطهار رضوان الله عليهم تأخر عليهم النصر في غزوة حنين لحدوث عُجْبٍ عَارِض!! كاد أن يكون سبباً في هزيمتهم ويوم حنينٍ إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً (التوبة:٢٥) , وانظر كلام ابن القيم البليغ عن العبر من غزوة حنين في زاد المعاد.
(٥) القدوة أساس ومن أهم أسباب نجاح الدعوة, وضعفها مشكلة كبيرة ومن أهم أسباب النفور وعدم التقبل, ... فأذكر نفسي وإخوتي الكرام بأن نتقي الله في هذا, وحتى لا نكسب إثم تنفير أحد, خاصة أن الكثير يضعوننا تحت المجهر وحتى الخطأ الصغير يستكثر منا (ولا يليق بنا) .ومن أهم الجوانب التي تعيننا بإذن الله على تحقيق ذلك؛ التناصح بين الدعاة أنفسهم, والذي كثيرا ما نحتاجه..وكثيرا ما ننساه!! ونقصر ونجامل فيه!..وننسى أن جزءاً هاماً وواجباً!! من واجبات الدعوة أن ينصح الأخ أخاه ويقومه (بل وأيضاً نحتاج إلى أن نحسن ونطور جهودنا بالتناصح بيننا!) .
(٦) لا نشك في أن الشباب المتدين في واقعنا المعاصر في عمومهم يتميز الكثير منهم بالقرب من الأخلاق الحسنة بدرجات مختلفة في هذا القرب, ويعتبر الشباب المتدين بشكل عام أقرب إلى حسن الخلق وسماته وصفاته (وذلك لأثر التدين الذي لا ينكره منصف) ,.....ولكن الدرجة التي وصل إليها الشباب المتدين بشكل عام في جانب حسن الخلق لا تتناسب مع المستوى الذي ينبغي أن يكونوا عليه, وهم الذين من المفترض أن لا تخفى عليهم الدرجة الهامة والأجر العظيم الكبير لحسن الخلق في الإسلام والذي يتبين من كثير من الأحاديث الصحيحة مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحاسنهم أخلاقاً..) الحديث, وقوله: (أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقاً) , وقوله: (أثقل شيء في الميزان الخلق الحسن) وقوله: (إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل صائم النهار) , وقوله: (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس....ولأن أمشي مع أخٍ في حاجةٍ أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهرا) «الأحاديث من سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني» . أيضا من الخسارة ألا يكون الجل الأعظم من الدعاة قمة في أخلاقهم وهم يدركون أثر حسن الخلق في التأثير على الناس وتقبلهم وتأثرهم.

<<  <   >  >>