للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عنوان "في أن حصول هذه الملكة بكثرة الحفظ وجودتها بجودة المحفوظ". وهو يعني بالملكة هنا ملكية الكتابة والإبداع، وقد أشار ابن خلدون إلى أن شعر الفقهاء والعلماء قاصر في البلاغة نظرًا لأن محفوظهم غني بالقوانين العلمية والعبارات الفقهية الخارجة عن أسلوب البلاغة. من هنا كانت الملكة الناشئة عن هذا المحفوظ غاية في القصور.

ويشير ابن خلدون إلى سر تفوق الإسلاميين على الجاهليين في خطبهم ومحاوراتهم فيرى أنه يعود إلى مدارسهم للطبقة العالمية من الكلام من القرآن الكريم والحديث الشريف فقد روض هذا الكلام ملكاتهم وسما بها١.

ويرى ابن الأثير أن الطريق إلى تعلم الكتابة على ثلاث شعب.

الأولى: الاطلاع على كتابة الأقدمين وتقليدهم. وهذا أدنى الطبقات.

الثانية: مزج كتابة المتقدمين باختيار الكاتب الخاص من وسائل تحسين اللفظ والمعنى، ويصف ذلك بأنه الطبقة الوسطى.

الثالثة: صرف النظر إلى حفظ القرآن الكريم وجملة مختارة من دواوين فحول الشعراء ومران النفس على المحاولة بالاقتباس والتجربة التي قد تصيب وقد تخطئ، ويصفها بأنها طريق الاجتهاد حيث يستقيم لصاحبها منهجٌ خاصٌّ في الكتابة فيصبح إمامًا في فن الكتابة إلا أنها مستوعرة جدًّا - كما يقول - ولا يستطيعها إلا من أوتي ملكة متميزة وموهبة فذة٢.

وقد لا يكون الأمر على هذا النحو من التحديد والصرامة فقد استجدت نصوص واستحدثت معارف وألوان من المكاتبات والمخاطبات تحتاج إلى مطالعات أخرى، وتمرس بضروب من فنون القول لم تكن معروفة لدى فحول الشعراء، ولكن في هذا القول لابن الأثير إشارة إلى أسلوب حصيف، وتوجيه لطيف في الحث على التمرس بالنصوص الرفيعة.


١ ابن خلدون: مقدمة ابن خلدون، الفصل الثامن والأربعون.
٢ ضياء الدين بن الأثير: المثل السائر في أدب الكاتب.

<<  <   >  >>