للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه السن هي العلامة التي أرى أن تعتبرها الدولة في أحكامها، فمن بلغ الخامسة عشرة من عمره فرضت عليه دولة الخلافة التدريب العسكري وأوجبت عليه الجهاد، وطالبته بسائر التكاليف الشرعية، في حين أن العلامات الحسية السابقة هي العلامات المعتبرة في حق أصحابها، فمن احتلم بأن أمنى، أو من حاضت ألزم نفسه بجميع التكاليف الشرعية من صلاة وصيام وغضِّ نظر عن العورات وستر العورة وغيرها، ولو لم يبلغ السن التي تعتبرها الخلافة، لأن الدولة تحكم بالظاهر وتعمم الحكم الواحد على الجميع، والاحتلام والحيض هي أمور خاصة بأصحابها لا يكاد يطلع عليها أحد، وتختلف من شخص لآخر.

وقد اختلف الأئمة والعلماء في أقل السن التي تبلغ فيه الأنثى، فذهب كثيرون إلى أن الأنثى قد تحيض لتسع سنين، لما روى الربيع عن الشافعي قال (أعجلُ ما سمعتُ به من النساء يحضن، نساءٌ بتهامة، يحضن لتسع سنين) . ولما رُوي عن عائشة أنها قالت «إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة» . ولما روى حرملة عن الشافعي قوله (رأيت بصنعاء جدة بنت إحدى وعشرين سنة، حاضت ابنة تسع وولدت ابنة عشر، وحاضت البنت ابنة تسع وولدت ابنة عشر) . روى هذه الأقوال الثلاثة البيهقي في السنن الكبرى. والصحيح هو أنه لا حدَّ لأقل سنٍ للحيض، فمنطقة حارة كتهامة يمكن أن تحيض فيها الأنثى وهي بنت تسع سنين، ولكن منطقة باردة كتركية يغلب أن تحيض الإناث فيها بعد هذه السن بعدد من السنين، وقد حصلت في إفريقية حالات حيض لإناث بلغن ستَّ سنين فقط، وإذن فإن تعيين أقل سنٍّ للحيض والبلوغ غير ممكن، ولم يَجْرِ في الشرع تحديد له.

أما أعلى سنٍّ لانقطاع الحيض فقد اختلفوا فيه أيضاً، وغالبيتهم يقدرونه بما بين الخمسين والستين، والأصح عدم التحديد، فأيَّة أنثى ترى الدم فهي حائض سواء بلغت الأربعين أو السبعين ما دام الدم دم حيض.

ثانياً: إسلام الكافر

<<  <  ج: ص:  >  >>