للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما اتخاذ موطنٍ واحدٍ في المسجد دون غيره للصلاة فيه فمكروه، وذلك لِما رُوي عن عبد الرحمن بن شبل أنه قال «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُوَطِّن الرجل المكان يصلي فيه كما يوطِّن البعير» رواه ابن أبي شيبة. ورواه أحمد وابن ماجة بلفظ «إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى في الصلاة عن ثلاث: نَقْر الغراب، وافتراش السَّبُع، وأن يوطِّن الرجل المقام الواحد كإيطان البعير» . قوله نَقْر الغراب: هو كناية عن تخفيف السجود والإسراع فيه. ومعنى قوله فرشة السبُع في رواية ابن ماجة وافتراش السبُع في رواية أحمد: هو أن يبسُطَ المصلي ذراعيه على الأرض في السجود ولا يرفعهما كفعل الكلب والذئب. ومعنى أن يوطِّن الرجل المقام الواحد: هو أن يتخذ من المسجد مكاناً معيناً يصلي فيه دون غيره، كما يفعل البعير، لا يبرك إلا في مبركٍ واحد لا يغيِّره.

ومما يدل على أن النهي للكراهة دون التحريم هو ما رُوي عن سلمة بن الأكوع «أنه كان يأتي إلى سُبحة الضحى، فيعمد إلى الاسطوانة دون المصحف فيصلي قريباً منها، فأقول له ـ الراوي عنه ـ: أَلاَ تصلي ها هنا؟ وأشير إلى بعض نواحي المسجد، فيقول: إني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتحرَّى هذا المقام» رواه ابن ماجة. فكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يتحرى مكاناً يصلي فيه يصرف النهي عن التوطين إلى الكراهة.

حُرمةُ اتخاذ القبور مساجد

قلنا في بحث [المواضع التي لا تجوز الصلاة فيها] إن المقبرة لا تجوز فيها الصلاة، ونريد هنا أن نفصِّل القول في هذا الموضوع الخطير الذي تجاوز فيه كثير من المسلمين كل حدٍّ، فبَنَوْا مساجد على القبور، وصاروا يتوسَّلون إلى الله بأصحابها في أدعيتهم، ويقيمون حولها الطقوس الوثنية فنقول:

<<  <  ج: ص:  >  >>