للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صورتها الساذجة اليسيرة حين كتبوا رسائلهم، وصكوك حسابهم وعهودهم ومواثيقهم، ونقشوا خواتمهم وشواهد قبورهم. وهذه كلها لا تتجاوز في حجمها صحيفة واحدة قد تنقص قليلًا أو تزيد قليلًا. وقد عرفوا أيضًا من الكتابة صورة أرقى من هذه الصورة الساذجة، وأكبر حجمًا، وأشد تعقيدًا، وهي التدوين. والفرق بين الصورتين -لغة واصطلاحًا- واضح؛ إذ أن الأولى لا تعني أكثر من مجرد التقييد العابر لما يعرض من شئون الحياة، ولكن التدوين إنما يعني جمع الصحف وضم بعضها إلى بعض حتى يكون لنا منها ديوان، وهو مجتمع الصحف. ولا بد للتدوين من أن يكون عملًا مقصودًا متعمدًا يرمي إلى هذه الغاية، لا عملًا عابرًا عارضًا. ولم نذكر في الفصل السابق من أمثلة هذا التدوين إلا مثلًا واحدًا هو الكتب الدينية.

وهدفنا في هذا الفصل تخصيص الحديث بكتابة الشعر الجاهلي منذ أول عهدها الذي استطعنا أن نكشف عنه، ثم نمضي بها حتى نصلها بتدوين هذا الشعر الجاهلي الذي وصل إلينا في هذا العصر والذي جمعه الرواة العلماء في أواخر القرن الثاني للهجرة.

-٢-

وموضوع كتابة الشعر الجاهلي -كموضوع الكتابة عامة- ذو شقين، الأول: الكتابة الضيقة التي لا تعدو مجرد التقييد، والثاني: الكتابة الواسعة التي تتجاوز هذه المرحلة إلى مرحلة التدوين. وقد رأينا أن نبدأ بالحديث عن تقييد الشعر الجاهلي، ونؤخر الحديث عن تدوينه إلى أن نضعه في مكانه المناسب له من حديثنا عن أوائل التدوين وتأليف الكتب في الجاهلية وصدر الإسلام.

ويبدو لنا أن الأدلة على تقييد الشعر في الجاهلية يصح أن تقسم ضربين، الضرب الأول: أدلة عقلية استنباطية؛ والثاني: أدلة صرحية مباشرة.

<<  <   >  >>