للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكثر فيها وضع الشعر الجاهلي ونحله، ثم نورد عليها أمثلة من الرواة الوضاعين ومن الشعر الموضوع.

وربما كان أوسع موضوع وجد فيه الرواة الوضاعون مجالًا فسيحًا للوضع والنحل هو القصص وأحاديث السمر. وقد كان خلفاء بني أمية وبني مروان، وخاصةً معاوية وعبد الملك، يعقدون مجالس خاصة للسمر والقصص. وقد مر بنا أن معاوية كان يستمر إلى ثلث الليل في أخبار العرب وأيامها ... وأنه كان له غلمان مرتبون يقرءون عليه الأخبار والسير والآثار من دفاتر، وكلوا بحفظها وقراءتها١. وكان أيضًا من محدثي معاوية وقصاصيه: النخار بن أوس، ولم يكتف معاوية به بل أمره ذات ليلة أن يبغيه محدثًا غيره. فلما قال له النخار: ومعي يا أمير المؤمنين تريد محدثًًًا؟ أجابه معاوية: نعم، أستريح منك إليه ومنه إليك٢. ولما رأى عمرو بن العاص شغف معاوية بالمسامرة وأحاديث مَنْ مضى أشار عليه باستدعاء عبيد بن شرية الجرهمي من الرقة، وقال له إن عبيدًا من بقايا من مضى، وإنه أدرك ملوك الجاهلية، وهو أعلم من بقي آنذاك في أحاديث العرب وأنسابها، وأوصفهم لما مر عليه من تصاريف الدهر. فاستدعاه معاوية، فصار عبيد في وقت السمر سمير معاوية في خاصته من أهل بيته. ثم أمر معاوية أهل ديوانه وكتابه أن يوقعوا هذه المجالس وأحاديثها ويدونوها في الكتب٣.

ولم يكن القصص والسمر وقفًا على بلاط الخلفاء الأمويين، بل شاعت عند جمهور العامة، وانتشر القصاص في المساجد يخلطون الوعظ بالقصص والأحاديث وأخبار من مضى من العرب وغيرها من الأمم، يسوقونها للعظة والعبرة وللتسلية والسمر معًا. وأخبار هؤلاء القصاص في مساجد الأمصار كثيرة مبثوثة في مظانها٤. إنما يعنينا أن نشير إلى أمرين، الأول: أن المتصدرين في المساجد والتبيين في مواطن متفرقة كثيرة في الجزء الأول، منها من ص٣٦٧ إلى ٣٦٩؛ وابن قتيبة، المعارف: ٢٠٢ وغيرها.


١ المسعودي، مروج الذهب ٢: ٥٢.
٢ البيان والتبيين ١: ٣٣٣.
٣ أخبار عبيد بن شرية: ٣١٢-٣١٣.
٤ انظر مثلًا: ابن سعد ٦: ١٨٠، ٢٠٠، ٧/ ١: ١٢١، ٧/ ٢: ٣٩. والبيان =

<<  <   >  >>