للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكنه لا يكاد يذكر ذلك حتى يعقب عليه بقوله: "وكانت الكتابة في العرب قليلة". وهو يقول ذلك في كل مرة يذكر فيها كاتبًا في الجاهلية، لا يكاد يُخِل بذلك مرة واحدة، ذلك مع أننا جمعنا من كتابه وحده عددًا وافرًا من الأخبار عن الكتابة في الجاهلية وأسماء الذين كانوا يكتبون.

ومن أمثلة ذلك أيضًا ما يردده بعضهم من أنه لم يكن أحد يكتب بالعربية حين جاء الإسلام إلا بضعة عشر نفرًا١.

وهذا عبد القادر البغدادي صاحب الخزانة يورد بيت الحطيئة٢:

سيرى أمام فإن الأكثرين حصًا ... والأكرمين، إذا ما ينسبون، أبا

ثم يقول: "معنى الحصا: العدد، وإنما أطلق على العدد؛ لأن العرب أميون لا يقرءون ولا يعرفون الحساب، إنما كانوا يعدون بالحصا، فأطلق الحصا على العدد!! " أفبعد هذا تجهيل؟ أو بعد هذا أمية وبدائية؟ ٣.

وكان من أثر هذه المحاولة التي ترمي إلى تجهيل الجاهلية أن امتد أثرها إلى تجهيل الصحابة أنفسهم -رضي الله تعالى عنهم- بالكتابة، ونعتهم بالأمية.

وما ذلك إلا مبالغة في وصم الجاهلية نفسها بهذا الجهل؛ لأن هؤلاء الصحابة، أو كثرتهم الكاثرة، إنما نشئوا وتم تكونهم الثقافي الفكري في الجاهلية. فقد قال عالم جليل هو ابن قتيبة حين تعرض في حديثه لسماح الرسول الكريم لعبد الله بن عمرو بتقييد الحديث، قال ابن قتيبة٤: "لأنه "أي عبد الله بن عمرو" كان قارئًا للكتب المتقدمة، ويكتب بالسريانية والعربية، وكان غيره من الصحابة


١ ابن عبد ربه، العقد ٤: ٢٤٢.
٢ الخزانة، سلفية ٣: ٢٦٠-٢٦١، والبيت في ديوان الحطيئة: ٦.
٣ ومع ذلك فإن في هذا الكلام وجه حق لو أنه حدد ووضح ونص على أن كلمة "أحصى" من أقدم الكلمات تاريخًا في اللغة العربية؛ لأنها شاهدة على أنها كانت تعيش في الزمن الأول البدائي الذي كان العرب فيه لا يعرفون الحساب وإنما يعدون بالحصى.
٤ مختلف الحديث "ط. مصر" ١٣٢٦ ص٣٦٥-٣٦٦.

<<  <   >  >>