للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما موضوعات الكتابة في العصر الجاهلي فقد كانت -فيما يبدو لنا من استقرائنا- كثيرة متنوعة، فقد كان القوم آنذاك يكتبون كثيرًا من شئون حياتهم وألوانًا متعددة من الموضوعات التي يفرضها عليهم نشاطهم العملي أو العلمي أو الوجداني. ومع اعترافنا بأن اسقراءنا ناقص -بسبب إغفال المصادر العربية هذا اللون من النشاط العلمي في الجاهلية- فقد وصلنا إلى أمور نراها جديرة بالذكر والتسجيل. وسنسردها هنا غير مراعين في ترتيبنا لها تقديم الأهم على المهم، ولا الأكثر على الكثير؛ لأن الحكم على أهمية هذه الموضوعات أو كثرتها حكم لا نملك الآن وسائله.

وأول هذه الموضوعات التي كانوا يدونونها: الكتب الدينية: ونحن لا نشك في أن أهل الكتاب: اليهود والنصارى، كانت كتبهم مدونة بين أيديهم يتلونها، وأن هذه الكتب لم تكن نسخًا قليلة العدد موقوفة على الرهبان والأحبار وحدهم، وإنما كانت مصاحف كثيرة يتداولها أهل هاتين الديانتين، حتى إن المسلمين بعد فتح خيبر وجدوا مصاحف فيها التوراة فجمعوها ثم ردوها على اليهود١.

وقد مر بنا أن ورقة بن نوفل "كان يكتب الكتاب العبراني فيكتب بالعبرانية من الإنجيل ما شاء أن يكتب"٢. ومع أن هذا النص يشير إلى أن التوراة والإنجيل كانا مكتوبين بالعبرية أو السريانية٣، وأن بعض العرب كان يقرؤهما بهذه اللغة فإنه -مع ذلك- لا ينفي أن هذين الكتابين كانا يكتبان بالعربية، وأن بعض العرب كان يقرؤهما بهذه اللغة. فنحن نعلم أن قبائل عربية


١ المقريزي، إمتاع الأسماع: ٣٢٣.
٢ الأغاني "دار الكتب" ٣: ١٢٠.
٣ يذكر الأب لويس شيخو عند حديثه عن كتابة ورقة بالعبرانية أن "عبرانية ذلك العهد هي الآرامية أو السريانية" انظر كتابه "النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية" ص١٥٧.

<<  <   >  >>