للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفوائد الحديثية المستنبطة من حديث ابن عمر]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

قال الإمام البخاري رحمه الله: حدثنا قتيبة، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن من الشجر شجرةً لا يسقط ورقها، وإنها مِثْلُ المسلم، فحدثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البوادي، قال عبد الله: ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت، ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: هي النخلة) .

الإمام البخاري رحمه الله يحتج بهذا الحديث على إثبات أن صيغ السماع واحدة، وفي أول الباب قال: باب قول المحدث: حدثنا أو أخبرنا أو أنبأنا) وذكر عدة معلقات ذكرنا من وصلها في المرة الماضية، فالإمام البخاري رحمه الله قال بعد أن ذكر الباب السابق: (وقال لنا الحميدي: -الذي هو عبد الله بن الزبير - كان عند ابن عيينة: حدثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعت شيئاً واحداً) .

فلما ابتدأ الإمام بذكر كلام ابن عيينة في ذلك، علمنا أنه يذهب هذا المذهب وهو: أن الراوي إذا تحمل من شيخه كلاماً فنقله عنه بأي صيغة من صيغ السماع، كأن يقول: حدثني أو حدثنا، أخبرني أخبرنا، أنبأني أنبأنا، سمعت، أن هذه الصيغ كلها بمعنى واحد، ولا فرق بينها، وقد تكلمنا في المرة الماضية عن مذاهب أهل العلم في التفريق.

ف البخاري رحمه الله يأتي بحديث ابن عمر المسند، ليؤيد به وجهة نظره، فأورد في هذا الحديث من طريق إسماعيل بن جعفر، عن عبد الله بن دينار لفظ التحديث، النبي عليه الصلاة والسلام قال: (فحدثوني ما هي؟) .

لا يتم الانتصار لرأي البخاري إلا بجمع طرق الحديث، فقد وقع في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أو أن الرواة نقلوا عنه أنه قال مرة: حدثوني، ومرة: أنبئوني، ومرة: أخبروني، وأبو جعفر الطحاوي رحمه الله ألَّف في هذه المسألة جزءاً سماه: جزء التسوية بين حدثنا وأخبرنا، وأورد فيه هذا الحديث محتجاً به لمذهب البخاري.

فالرسول عليه الصلاة والسلام قال: (حدثوني أنبئوني أخبروني) وقد وقع لفظ حدثوني وأخبروني في الصحيح، وعند الإسماعيلي في: المستخرج على صحيح البخاري أتى بلفظ: أنبئوني، وكلها من حديث عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>