للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[اعتراض أهل البدع على النصوص الشرعية وضرورة مواجهتهم]

يقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة) ، لقد تحقق معنى هذا الحديث في هذا الزمان، فهناك هجمة شرسة على أصحاب الحديث، حتى دخل في هذه الهجمة الشرسة النسوان -وكلمة (النسوان) لغة عربية فصحى- فامرأة تقول: إنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا سبعة عشر حديثاً فقط.

انظروا إلى هذه المرأة! وهي معلمة، تقول: لم يصح إلا سبعة عشر حديثاً! وتقول: لا أدري من أين أتى البخاري بكل هذه الأحاديث؟! هذا والله هو الهوان! أن يسمح لامرأة تتكلم بهذا الكلام، في بلد تعج بعلماء الشرع، والمرأة تقول هذا الكلام ولا تحاسب سبحان الله! لا توجد نقابة للعلماء هناك نقابة للحيوانات، تدافع عن الحيوانات، وتنتزع حقوقاً للحيوانات! وهناك نقابة للأطباء، وهناك نقابة للصيادلة، وهناك نقابة للمهندسين، والنقابات هذه إنما أقاموها لحفظ حقوق الطائفة التي تنتمي إليها، والدفاع عنها، والذب عن حقوقها.

بينما قد يأتي إنسان ويتكلم في دين الله عز وجل بغير علم ولا أحد يرده.

(إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة) ، فلو عمل أحد طبيباً وقبضوا عليه وهو ليس طبيباً، فسيحملوه قضية في الحال، والقوانين جاهزة، لكن لو ضبطوا شخصاً يفتي دون أن يكون لديه رخصة إفتاء -التي هي قسيمة الإثبات بأنه مفتٍ- فهذا أمر سهل ولا توجد قوانين تردعه، يقولون: يا أخي! الدين لله الدين هذا للكل نعم، الدين للكل كاعتقاد، ولكن كعلم لا الدين كعقيدة للكل نعم، ولكن كعلم له رجال، فلا يجوز لإنسان أن يفتي إلا إذا كان مؤهلاً، فإن الفتوى كما يقول ابن القيم -في كتابه: إعلام الموقعين عن رب العالمين-: إن المفتي يوقع عن رب العالمين.

لو أن إنساناً زور توقيع رئيس الجمهورية مثلاً، أو المحافظ، أو المدير، وعرف أنه مزور لهذا التوقيع، لعوقب عقوبة شديدة.

فأنت إذا قلت: هذا حلال وهذا حرام، أليس هذا توقيع؟ كأنك توقع عن الله.

وإذا قلت: هذا حرام، وهذا حلال.

فإن هذا إذن منك بحل هذا، أو بحرمة ذاك أليس هذا توقيعاً؟! إذاً الذي لم يستوف أدوات وشروط الفتوى ثم يفتي؛ فهو مزور، وينبغي أن يعاقب أشد العقوبة؛ لأنه مزور.

والآن كل من هب ودب يتكلم حتى في غير تخصصه إن علم الحديث هو علم الذكران من العالمين، علم مصطلح الحديث لا يذلل لامرأة قط، مهما فعلت وبذلت لماذا؟ لأن فطرة المرأة وخلقتها تمنع من أن تكون ناقدة، وعلى مدار تاريخنا الطويل ما رأينا امرأة قط ناقدة، إنما رأينا نساء راويات، تأخذ كتاباً لترويه، مثل: بيبي بنت عبد الصمد الهرثمية، لها جزء عن ابن أبي شريح عن شيوخه، وكريمة بنت أحمد المروزية، لها رواية في صحيح البخاري، والحافظ ابن حجر اعتمدها، وهي من أوثق الروايات، كذلك أمة الله مريم الحنبلية لها مسند صغير، إذاً المرأة تروي بإسنادها، لكنها تنظر ولا تنقد، فإن هذا علم تفرد به الرجال.

هناك امرأة صحفية كتبت كتاباً هو عبارة عن جملة مقالات، ثم نزلت هذه المقالات في كتاب، والكتاب هذا يباع بلا حرج، على الأرصفة وفي المكاتب، وعنوان هذا الكتاب: (هل النساء أكثر أهل النار؟) ، وواضح من خلال عنوان الكتاب أنها تعترض على كون النساء أكثر أهل النار، فحتى هذه الأشياء تريد النساء أن تقتسمها باسم حقوق المرأة، وباسم الدفاع عن حقوق المرأة.

فهل النساء أكثر أهل النار؟ قالت: إن هناك حديثاً رواه راو اسمه البخاري سبحان الله! تقول: رواه إنه راو اسمه البخاري، روى حديثاً عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه جاء النساء يوم عيد فذكرهن ووعظهن وقال: (يا معشر النساء! تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار.

فقامت امرأة فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: لأنكن تكثرن اللعن، وتكفرن العشير- تكفرن الإحسان- فقالت: نكفر بالله؟ قال: لا، تكفرن العشير، ولو أحسن الرجل إليكن الدهر، ثم رأيتن منه يوماً سوءاً، لقلتن: ما رأينا منك خيراً قط) ، فتقول: إن هذا الحديث رواه راو اسمه البخاري، وتقول: وابن الجوزي يقول: إن صحة السند لا تستلزم صحة المتن المروي به، فقد يكون السند صحيحاً لكن المتن ضعيف، ونحن نرى أن هذا السند -وإن كان صحيحاً- لكن المتن معلول وغير معقول لماذا غير معقول؟ قالت: أولاً: إن الرسول عليه الصلاة والسلام الذي علمنا الذوق والأخلاق الحسنة، يأتي إلى النساء في يوم عيد، فبدلاً من أن يقول لهن: كل سنة وأنتن طيبات، ومن العائدات، يقول لهن: أنتن في جهنم وبئس المصير! هل يعقل أن أحداً يقول هذا الكلام؟! رسول الأخلاق والمعاملة يقول هذا الكلام وفي يوم عيد؟! فانظر يا أخي! من تكلم في غير فنه أتى بمثل هذه العجائب! عندما تأتي امرأة وتتكلم في علم الحديث، وتأخذ كلام علماء أهل الحديث ولا تستطيع أن تصرفه؛ النتيجة أن تأتي بمثل هذه الدواهي.

صحيح أن من علماء الحديث من قال: إن صحة السند لا تستلزم منه صحة المتن المروي به؛ لأن هناك بعض لصوص الأسانيد يركب إسناداً نظيفاً لمتن غير صحيح، مثلاً: مالك، عن نافع، عن ابن عمر، هذا إسناد مُذَهّبٌ، وهناك أسانيد يسمونها: سلسلة الذهب، من ضمن سلاسل الذهب أن يروي الإمام مالك، عن نافع، عن ابن عمر، فأنت إذا رأيت مالكاً عن نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو علمتم ما في الجرجير لزرعتموه تحت السرير) ، أو (المؤمن حلو يحب الحلاوة) ، أو (ربيع أمتي في العنب والبطيخ) ، وهذه كلها أحاديث موضوعة أو (المؤمن كيس فطن) ، فإن هناك من يعتقد أن هذا حديث، وهو كذب على النبي عليه الصلاة والسلام.

فلما ترى إسناداً كالشمس، ومتناً كالظلمة، إذاً: هناك نوع من التباين والذي سببه المتن، فإن الإمام مالكاً عن نافع عن ابن عمر لا يأتي إلا بمتن نظيف وفيه معان، فهناك بعض لصوص الأسانيد يركب إسناداً من عنده على متن هو مؤلفه، ولذلك قال العلماء: إن صحة السند لا تستلزم منه صحة المتن؛ لاحتمال أن يكون هناك أحد ركب سنداً صحيحاً على متن موضوع.

لكن لا ينبغي أن يحكم بهذا إلا إمام كبير متمرس، اختلط الحديث بشحمه ولحمه، حتى صار له فيه ملكة، وهذا لا يستطيعه إلا الأئمة الكبار، مثل: البخاري، وأحمد، وابن معين، وأبو عاصم النبيل، وأبو حاتم الرازي، وأبو زرعة الرازي، وأمثال هؤلاء الكبار الذين اختلط الحديث بدمائهم حتى صارت عندهم ملكة.

يسأل أبو حاتم الرازي عن حديث يرويه الأعمش، عن أبي سفيان طلحة بن نافع، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، وساق متناً، فيقول أبو حاتم الرازي: هذا لا يشبه أحاديث الأعمش، هذا يشبه أحاديث عمر بن الحصين.

وعمر بن الحصين هذا كذاب.

فلكل راو أحاديثه التي أصبح لها طعماً، وأول ما يسمع الحديث يقول: هذا ليس حديث فلان.

انظر إلى أين وصل بهم الاهتمام والملكة إلى درجة أن يعرف سمت أحاديث الأعمش، فإن لها سمتاً معيناً لا تخرج عنه! يقول: ثم إنه بعد سنين دخل أحد البلاد، فإذا به يقع على هذا الحديث يرويه الأعمش، عن عمر بن الحصين، وإذا الأعمش قد دلس عمر وأسقطه من الإسناد، إذاً: صدق ظنه، فلا يحكم في هذا الباب إلا هؤلاء العلماء.

إذاً: هذا هو معنى قولهم: صحة السند لا تستلزم صحة المتن لكن هذا للأئمة الكبار، الذين عندهم ملكة، إما من بعدهم فلا يستطيع أن يحكم على متن من المتون إلا إذا وقف على الإسناد.

إن الذي أغرى هذه المرأة وأمثالها أن يتكلموا في مثل هذه العلوم: هو هوان علماء الشريعة على أنفسهم وعلى الناس، وأن الجاهل يتكلم ويُخرج من دين الله ما هو فيه، ويُدخل في دين الله ما ليس منه، ولا يتحرك العلماء؛ بل بالعكس: فقد وجد ممن ينتسبون إلى الشريعة من فعل هذا، فهذا الختان مثلاً -ختان الإناث- هل من المعقول أن يأتي إنسان ينتسب إلى الشريعة ويقول: إن الختان عادة جاهلية، ولا أصل له في الشريعة؟! مع أنه يدرس في باب الطهارة في كتب الأزهر: (إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل) ، وأن الختان من سنن الفطرة، ويدرس للطلبة من يوم أن أنشئ الأزهر إلى هذا الزمان، وفجأة يخرج هذا ويقول -مهما كان قدره-: إن الختان لا أصل له في الدين! هذا اتهام لكل العلماء الذين درسوا الناس على أنه من الشريعة، أنهم كانوا يكذبون على الناس.

ويخرج أحدهم ويكتب مقالاً: أن أحاديث الختان ضعيفة، مع أن هذا الرجل لا يعرف شيئاً قط في علم الحديث، ويقول: ينبغي علينا أن نحترم التخصص، وأهل التخصص في مسألة الختان هم الأطباء.

فإذا كنت تحترم التخصص مع الأطباء، فلم لا تحترم التخصص مع علماء الحديث؟ وهل لك في النقد وفي تصحيح الحديث وتضعيفه ملكة؟ وهل تفهم شيئاً في علم الحديث، وتعرف شروط قبول الحديث الصحيح؟ لماذا تكلمت من تلقاء نفسك وقلت: إن أحاديث الختان ضعيفة، وأنت لست من علماء الحديث؟! وانتزعت التخصص من علماء الحديث ووضعته تحت قدمك، أما الأطباء فقشر رمان في المسألة؟! والذي يجهر بهذا بعض من ينتسبون إلى التدريس في كليات شرعية، فهذا هو الذي شجع هذا المرأة على فعل مثل هذا وزيادة! إن ختان الإناث واجب، وليس هناك دليل على استحبابه، والأصل في الأدلة أنها عامة للرجال والنساء معاً، حتى يقوم دليل بتخصيص الرجال أو بتخصيص النساء، فالأصل في الأدلة العموم، فإذا قال النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً،

<<  <  ج: ص:  >  >>