للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[علو الإسناد وأهميته عند علماء الحديث]

فأشرف أنواع العلو أن تصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسنادٍ نظيف، يقل فيه عدد الوسائط بينك وبينه صلى الله عليه وسلم، لأنه -صلى الله عليه وسلم- مثل المصباح، كلما اقتربت إلى المصباح ازداد الضوء، وكلما ابتعدت عنه قل هذا الضوء، وإن ابتعدت كثيراً أوغلت في الظلمة، لهذا كان العلماء يتهافتون على العلو.

الإمام البخاري أرفع الأسانيد من جهة العلو عنده: بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة، حتى يصل إلى خمسة، فيكون بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم خمسة، فأنت مثلاً لو قُدِّر أن يكون لك سند إلى البخاري، فتعد الوسائط التي بينك وبين البخاري، ثم بعد البخاري وشيوخه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتنظر كم بينك وبين النبي عليه الصلاة والسلام.

السندي كان يقول: لمثلي فليسعَ! بيني وبين البخاري تسعة، وهذا كان أعلى سند موجود في الدنيا، والبخاري كذلك بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة رواة، فيكون بـ البخاري أربعة، فالأربعة مع التسعة يصبحون ثلاثة عشر راوياً فقط، إذاً: السندي متأخر، لما يكون بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر راوياً فقط فهذا أعلى إسناد، في سنن النسائي، والنسائي كما تعرفون من طبقة البخاري، يعني: أدرك أغلب مشايخ البخاري وتسعون بالمائة من مشايخ البخاري أدركهم الإمام النسائي وروى عنهم، بين النسائي في هذا الحديث وبين النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية، فأنزل سند موجود في سنن النسائي: بين النسائي وبين النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية.

فالقصد أن الإمام مسلم لرغبته في العلو يقول: رب حديثٍ يكون الراوي المُتَكَلَّم فيه -لو أنني أخذت الإسناد من طريقه إلى النبي صلى الله عليه وسلم- بيني وبين النبي صلى الله عليه وسلم خمسة، أو أربعة، فإذا أردتُ أن آخذه من طريق غيره من الثقات نزلتُ درجة أو درجتين.

فيكون بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم إما ستة أو سبعة، أو أكثر.

فيقول: لا.

أنا علمتُ أن هذا الراوي المُتَكَلَّم فيه لم يغلط في هذا الحديث بدلالة المتابعات من الثقات، والحديث معروفٌ لدى أهل العلم جميعاً أنه صحيح، وأن الثقات رووه، وأنا ثبت لديَّ أن هذا الراوي وإن تُكُلِّمَ فيه لكنه لم يغلط في هذا الحديث، فرغبةً مني في أن أعلو بسندي، اخترت هذا الطريق، وتركتُ الطريق الآخر لنزوله، واكتفاءً بشهرته عند أهل العلم.

فالإمام مسلم قال: إن هذا هو عذري في التخريج لمن أخرجت عنه وهو مُتَكَلَّمٌ فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>