للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[استدلال البخاري على صيغة السماع]

قال البخاري: وقال شقيق: عن عبد الله سمعت النبي صلى الله عليه وسلم كلمة.

شقيق هو ابن سلمة، وكنيته أبو وائل الكوفي، أسدي، وهو مشهور بكنيته أكثر من اسمه.

(عن عبد الله) ابن من؟ وعبد الله هنا صحابي، إذا قال الكوفي: عن عبد الله فهو ابن مسعود، وإذا قال المصري: عن عبد الله فهو ابن عمرو بن العاص، وإذا قال المدني: عن عبد الله فهو ابن عمر؛ لأن أحياناً يأتي الصحابي عبد الله، فإذا أردت أن تعلم من هو عبد الله الصحابي هذا، فانظر إلى الراوي عنه، فإن كان كوفياً فهو ابن مسعود، وإن كان مصرياً فهو عبد الله بن عمرو بن العاص، وإن كان مدنياً فهو عبد الله بن عمر بن الخطاب.

فهذا شقيق بن سلمة أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يره، فهو من المخضرمين، والمخضرمين هم: الذين أدركوا الجاهلية والإسلام.

فقول البخاري: وقال شقيق: عن عبد الله: سمعت.

، يريد البخاري أن يقول: كل هذا موصولٌ عند أهل العلم فإن عبد الله بن مسعود مرة يقول: حدثنا، ومرة يقول: سمعت، ولم يقل أحدٌ من أهل العلم: إن هناك فرقاً بين سمعت وحدثني، أي أن البخاري يريد أن يقول: حدثنا، وسمعت، بمعنى واحد.

لكن لم يقع هذا اللفظ (سمعت) في صحيح البخاري، إنما أورد المعلقات بالصيغ.

البخاري يشير بهذا إلى حديثٍ أخرجه هو في عدة مواضع من صحيحه، فأخرجه في كتاب الجنائز من طريق حفص بن غياث، وأخرجه في كتاب التفسير من طريق أبي حمزة السكري - أبو حمزة السكري اسمه: محمد بن ميمون، وإنما قيل له: (السكري) ليس لأنه كان مريضاً (بالسكري) .

لا؛ سمي السكري لحلاوة كلامه، كان كلامه جميلاً، فقيل له: السكري لأجل ذلك، كما ذكر المزي وغيره في ترجمته، وهو مذكور -أظن- في: حلية الأولياء في ترجمة أبي حمزة.

يقول: ما بلغني عن جاري أنه مرض قط إلا قوّمت نفقته في مرضه، وتصدقت بها أن الله عافاني مما ابتلاه به.

مثلاً: كان إذا مرض جاره نظر كم أنفق على نفسه في ذلك المرض من علاج وأدوية.

إلخ فيخرج ذلك المبلغ صدقة شكراً لله عز وجل أن عافاه مما ابتلى به جاره.

والعلماء لهم كلام في التداوي: هل هو واجب أم مستحب أم مباح؟ الصحيح أنه ليس بواجب، أي أن الإنسان إذا مرض فترك التداوي اتكالاً على الله تبارك وتعالى -والله هو الذي يرفع العلة- فهذا جائز لا إشكال فيه؛ وذلك لأن أبا بكر رضي الله عنه ترك التداوي في مرضه.

لكن إذا كانت هذه العلة تصده عن القيام بحق العبودية، فيجب عليه أن يتداوى، مثلاً: إذا لم يتداو فإنه لا يستطيع أن يصلي، وقال له أهل الطب: إنه إذا تداوى فإنه يشفى بإذن الله، فحينئذ يجب في حقه التداوي، إنما يترك التداوي لمن قوي قلبه وقوي توكله، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب: (هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون) فتركوا الاسترقاء، وتركوا التداوي اتكالاً على الله تبارك وتعالى.

وقد ثبت عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه لما سمع أحاديث في فضل الحمى، وأنها حظ المؤمن من النار؛ دعا على نفسه بالحمى، لكنه اشترط أن لا تصده عن جماعة أو جهاد يقول الرواي: فكنا نضع أيدينا على جبهته فنرى أثر الحمى، ومات بها رضي الله عنه، لماذا اشترط أن لا تصده عن جهاد أو عن جماعة؟ لأن حضور الجماعة وحضور الجهاد أفضل بكثير من أن يبتلى المرء بالحمى ويتخلف عن الجماعة والجهاد.

فـ أبو حمزة السكري ذكروا في ترجمته أيضاً: أنه بلغه أن جاره يبيع داره، والجار لما جاءه المشتري قال: أبيعك الدار بأربعة آلاف.

فقال المشتري: ولم؟ قال: ألفان ثمن الدار، وألفان ثمن جوار أبي حمزة! فلما بلغ أبا حمزة قوله: ذهب إليه، وقال له: لا تبع الدار، وأعطاه أربعة آلاف على أن لا يبيع داره.

<<  <  ج: ص:  >  >>