للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَدْخُلُ النَّارَ وَلَا مَوْضِعًا مِنْهَا وَإِنِ ارْتَكَبَ جَمِيعَ الْكَبَائِرِ خَلَا الشِّرْكَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا لَمْ يَشَأْ تَعَالَى أَنْ يَغْفِرَ لَهُ مَا دُونَ الشِّرْكِ, فَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ لِلنَّارِ سَبْعَةَ أَبْوَابٍ فَقَالَ لِإِبْلِيسَ: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} [الْحِجْرِ: ٤٤-٤٢] فَأَعْلَمْنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ قَسَّمَ تَابِعِي إِبْلِيسَ مِنَ الْغَاوِينَ سَبْعَةَ أَجْزَاءَ عَلَى عَدَدِ أَبْوَابِ النَّارِ, فَجَعَلَ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءًا مَعْلُومًا, وَاسْتَثْنَى عِبَادَهُ الْمُخْلِصِينَ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ, فَكُلُّ مُرْتَكِبٍ مَعْصِيَةً زَجَرَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَدْ أَغْوَاهُ إِبْلِيسُ, وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ يَشَاءُ غُفْرَانَ كُلِّ مَعْصِيَةٍ يَرْتَكِبُهَا الْمُسْلِمُ دُونَ الشِّرْكِ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا, لِذَاكَ أَعْلَمَنَا فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ قَوْلَهُ: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النِّسَاءِ: ١١٦] وَأَعْلَمَنَا خَالِقُنَا عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ آدَمَ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ وَأَسْكَنَهُ جَنَّتَهُ وَأَمْرَ مَلَائِكَتِهِ بِالسُّجُودِ لَهُ عَصَاهُ فَغَوَى, وَأَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِرَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ اجْتَبَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى, وَلَمْ يَحْرِمْهُ اللَّهُ بِارْتِكَابِ هَذَا الْحُوبَ بَعْدَ ارْتِكَابِهِ إِيَّاهُ, فَمَنْ لَمْ يَغْفِرِ اللَّهُ لَهُ حَوْبَتَهُ الَّتِي ارْتَكَبَهَا وَأَوْقَعَ عَلَيْهِ اسْمَ غَاوٍ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْأَجْزَاءِ جُزْءًا وَقِسْمًا لِأَبْوَابِ النَّارِ السَّبْعَةِ. وَفِي ذِكْرِهِ آدَمَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: ١٢١] مَا يُبَيِّنُ وَيُوَضِّحُ أَنَّ اسْمَ الْغَاوِي قَدْ يَقَعُ عَلَى مُرْتَكِبِ خَطِيئَةٍ قَدْ زَجَرَ اللَّهُ عَنِ إِتْيَانِهَا وَأَنْ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْخَطِيئَةُ كُفْرًا وَلَا شِرْكًا وَلَا مَا يُقَارِبُهُمَا وَيُشْبِهُهُمَا, وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُ الْمُوَحِّدُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ الْمُطِيعُ لِخَالِقِهِ فِي أَكْثَرِ مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَنَدَبَهُ إِلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ غَيْرَ الْمَفْرُوضِ عَلَيْهِ وَالْمُنْتَهِي عَنْ أَكْثَرِ الْمَعَاصِي وَإِنِ ارْتَكَبَ بَعْضَ الْمَعَاصِي وَالْحَوْبَاتِ فِي قِسْمِ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَدَعَا مَعَهُ آلِهَةً لَهُ أَوْ صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا -تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا- وَلَمْ يُؤْمِنْ بِشَيْءٍ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِيمَانِ بِهِ وَلَا أَطَاعَ اللَّهَ فِي شَيْءٍ أَمَرَ بِهِ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ وَلَا انْزَجَرَ عَنْ مَعْصِيَةٍ نَهَى اللَّهُ عَنْهَا مُحَالٌ أَنْ يَجْتَمِعَ هَذَانِ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ النَّارِ, وَالْعَقْلُ مُرَكَّبٌ عَلَى أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ أَعْظَمَ خَطِيئَةً وَأَكْثَرَ ذُنُوبًا لَمْ يَتَجَاوَزِ اللَّهُ عَنْ ذُنُوبِهِ كَانَ أَشَدَّ عَذَابًا فِي النَّارِ, كَمَا يَعْلَمُ كُلُّ عَاقِلٍ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ أَكْثَرَ طَاعَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَقَرُّبًا إِلَيْهِ بِفِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَاجْتِنَابِ السَّيِّئَاتِ كَانَ أَرْفَعَ دَرَجَةً فِي الْجِنَانِ وَأَعْظَمَ ثَوَابًا وَأَجْزَلَ نِعْمَةً, فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>