للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [الْمَائِدَةِ: ٣] فَأَخْبَرَ فِيهَا بِإِكْمَالِ دِينِهِ الَّذِي وَعَدَنَا إِظْهَارَهُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التَّوْبَةِ: ٣٣] وَبِإِتْمَامِهِ النِّعْمَةَ كَمَا وَعَدَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ} وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِي قَوْلِ الْيَهُودِيِّ لِعُمَرَ فِي شَأْنِهَا وَمَا رَدَّ عَلَيْهِ بِهِ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [الْمَائِدَةِ: ٣] وَهُوَ الْإِسْلَامُ, أَخْبَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ قَدْ أَكْمَلَ لَهُمْ شَرَائِعَ الْإِيمَانِ فَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى زِيَادَةٍ أَبَدًا, وَقَدْ أَتَمَّهُ فَلَا يَنْقُصُهُ أَبَدًا, وَقَدْ رَضِيَهُ فَلَا يُسْخِطُهُ أَبَدًا١. قُلْتُ: وَفِي ضِمْنِ هَذَا الْخِطَابِ مَعْنًى فَارْضَوْا بِهِ أَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ, وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَبِيًّا" ٢ وَأَمَرَنَا بِهَذَا الذِّكْرِ فِي كُلِّ مَسَاءٍ وَصَبَاحٍ, وَقَالَ أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَلَمْ يَنْزِلْ بَعْدَهَا حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ, وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَاتَ, قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ: حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تِلْكَ الْحَجَّةَ, فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ إِذْ تَجَلَّى لَهُ جِبْرِيلُ, فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الرَّاحِلَةِ فَلَمْ تُطِقِ الرَّاحِلَةُ مِنْ ثِقَلِ مَا يُمِيلُهَا مِنَ الْقُرْآنِ فَبَرَكَتْ, فَأَتَيْتُهُ فَسَجَّيْتُ عَلَيْهِ بُرْدًا كَانَ عَلَيَّ٣. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ يَوْمِ عَرَفَةَ بِأَحَدٍ وَثَمَانِينَ يَوْمًا. رَوَاهُمَا ابْنُ جَرِيرٍ٤, وَلَهُ عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} وَذَلِكَ يَوْمَ الْحَجِّ بَكَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا يُبْكِيكَ؟ " قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كُنَّا فِي زِيَادَةٍ مِنْ دِينِنَا فَأَمَّا إِذَا أُكْمِلَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ شَيْءً إِلَّا نَقَصَ, فَقَالَ: "صَدَقْتَ" ٥, وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ


١ أخرجه ابن جرير في تفسيره "٦/ ٧٩" وابن المنذر كما في الدر المنثور "٣/ ١٧".
٢ مسلم "١/ ٦٢/ ح٣٤" في الإيمان، باب الدليل على أن من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رسولا فهو مؤمن.
٣ أخرجه ابن جرير في تفسيره "٦/ ٧٩-٨٠".
٤ ابن جرير في تفسيره "٦/ ٧٩" وانظر دلائل النبوة للبيهقي "٧/ ٢١٥".
٥ ابن جرير في تفسيره "٦/ ٨٠" وابن أبي شيبة كما في الدر المنثور "٣/ ١٨" وهو مرسل قوي. فعنترة بن عبد الرحمن الكوفي: ثقة ولم تثبت له صحبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>