للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ, فَلَا يَذْكُرُونَهُمَا بِخَيْرٍ وَلَا شَرٍّ, وَلَا بِخِلَافَةٍ وَلَا غَيْرِهَا, ثُمَّ يَحْصُرُونَ الْخِلَافَةَ فِي عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَذُرِّيَّتِهِ, فَفِرْقَةٌ تَدَّعِي عِصْمَتَهُمْ, وَأُخْرَى لَا تَدَّعِي ذَلِكَ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُمْ فِرَقٌ كَثِيرَةٌ مُتَفَاوِتُونَ فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ وَاعْتِقَادَاتِهِمْ وَأَخَفُّهُمْ بِدْعَةً الزَّيْدِيَّةُ.

هَذَا في شأن أهل الْبَيْتِ طَهَّرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى, وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الصِّفَاتِ وَالْقُرْآنِ وَالْقَدَرِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَسَائِرِ الْمُعْتَقَدَاتِ فَقَدْ دَهَى كُلَّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ مَا دُهِيَ غَيْرُهُمْ مِنَ النَّاسِ, وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ غَالِبِهِمُ الِاعْتِزَالُ وَاعْتِمَادُهُمْ كُتُبَ الْعَلَّافِ وَالْجِبَائِيِّ وَأَشْبَاهِهِ١. وَالزَّيْدِيَّةُ عُمْدَتُهُمْ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ كَشَّافُ الزَّمَخْشَرِيِّ وَقَدْ شَحَنَهُ بِقَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ, وَهُمْ أَخَفُّ وَأَهْوَنُ مِمَّنْ يَكْفُرُ بِكَثِيرٍ مِنَ الْقُرْآنِ بِالْكُلِّيَّةِ نَعُوذُ بِاللَّهِ, وَمَحَلُّ بَسْطِ مَقَالَاتِهِمْ وَفَرِقِ ضَلَالَاتِهِمْ كُتُبُ الْمَقَالَاتِ.

هَذَا وَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي تَفْضِيلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الصَّحِيحِ, وَفِي كِتَابِ السُّنَّةِ عَنْ عَلْقَمَةَ فِي خُطْبَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ: أَلَا إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ قَوْمًا يُفَضِّلُونَنِي عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا, وَلَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ فِي ذَلِكَ لَعَاقَبْتُ فِيهِ, وَلَكِنْ أَكْرَهُ الْعُقُوبَةَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ. مَنْ قَالَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مُفْتَرٍ, عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُفْتَرِي. وَخَيْرُ النَّاسِ كَانَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ أَحْدَثْنَا بَعْدَهُمْ أَحْدَاثًا يَقْضِي اللَّهُ فِيهَا مَا شَاءَ٢.

وَهَذَا الْكَلَامُ مَشْهُورٌ عَنْهُ مِنْ طُرُقٍ لَا تُحْصَى؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ كَانَ يَجْهَرُ بِهِ وَيُظْهِرُهُ فِي الْمَحَافِلِ وَعَلَى الْمَنَابِرِ, وَيَذُمُّ الرَّافِضَةَ كَثِيرًا٣, وَقَدْ جَلَدَ مَنْ قِيلَ لَهُ إِنَّهُ تَكَلَّمَ فِي عِرْضِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا, جَلَدَهُ مِائَةً وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَلَى الرَّافِضَةِ وَأَسْطَاهُمْ بِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.


١ انظر تفصيل قولهم في منهاج السنة لابن تيمية "١/ ٢٦٤-٢٦٥".
٢ عبد الله في السنة "ح١٣٩٤" وفي سنده أبو معشر "نجيح المدني" وحديث علي هذا ثابت من طرق عدة. انظر عبد الله في زيادات المسند "١/ ١٢٨" وعبد الله في زيادات فضائل الصحابة "ح٤٠ و٤٩" وأحمد في المسند "١/ ١٠٦، ١١٠" وغيرهم كثير.
٣ لم يكن اسم الرافضة قد ظهر بعد كما قدمنا وإنما هو يرد على من يقدح في إمامتهما جملة.

<<  <  ج: ص:  >  >>