للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَعَالَى أَنَّ السَّيِّئَةَ لِذَاتِهَا لَيْسَتْ مَحْبُوبَةً لِلَّهِ وَلَا مَرْضِيَّةً كَمَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ نَهَى عِبَادَهُ عَنِ الْكَبَائِرِ الْمَذْكُورَةِ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} وَلَكِنْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ مَحَابِّهِ وَمَرْضَاتِهِ مَا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ إِمَّا فِي حَقِّ فَاعِلِهَا مِنَ التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ وَالْإِذْعَانِ وَالِاعْتِرَافِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَالْخَوْفِ مِنْ عِقَابِهِ وَرَجَاءِ مَغْفِرَتِهِ وَنَفْيِ الْعَجَبِ الْمُحْبِطِ لِلْحَسَنَاتِ عَنْهُ, وَدَوَامِ الذُّلِّ وَالِانْكِسَارِ وَتَمَحُّضِ الِافْتِقَارِ وَمُلَازَمَةِ الِاسْتِغْفَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالطَّاعَاتِ الْمَحْبُوبَةِ لِلرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ الَّتِي أَثْنَى فِي كِتَابِهِ عَلَى الْمُتَّصِفِينَ بِهَا غَايَةَ الثَّنَاءِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: "لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ هُوَ بِهَا قَائِمَةٌ عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا فَقَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ, أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ" أَخْرَجَاهُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ١. فَالْوَاجِبُ عَلَى الْعَبْدِ كَرَاهَةُ مَا يَكْرَهُهُ رَبُّهُ وَإِلَهُهُ وَسَيِّدُهُ وَمَوْلَاهُ مِنَ السَّيِّئَاتِ وَعَدَمُ مَحَبَّتِهَا وَالنَّفْرَةُ مِنْهَا, وَالِاجْتِهَادُ فِي كَفِّ النَّفْسِ عَنْهَا, وَأَطْرِهَا عَلَى مَحَابِّ اللَّهِ وَأَنْ لَا يَصْدُرَ عَنْهَا شَيْءٌ يَكْرَهُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ, فَإِنْ غَلَبَتْهُ نَفْسُهُ بِجَهْلِهَا وَشَرَارَتِهَا فَصَدَرَ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَكْرُوهِ فَلْيُبَادِرْ إِلَى دَوَاءِ ذَلِكَ وَلْيَتَدَارَكْهُ بِمَحَابِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَرْضَاتِهِ مِنَ التَّوْبَةِ والإنابة والاستغفار والادكار وَعَدَمِ الْإِصْرَارِ, فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَرْشَدَ إِلَى ذَلِكَ وَأَثْنَى عَلَى مَنِ اتَّصَفَ بِهِ, قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ، أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}


١ لم يخرجه البخاري بطوله من حديث أنس بن مالك وإنما إلى قوله: "في أرض فلاة".
وحديث أنس أخرجه مسلم "٤/ ٢١٠٤/ ٢٧٤٧" في التوبة، باب الحض على التوبة. وقد أخرجه البخاري بطوله من حديث الحارث بن سويد في الدعوات، باب التوبة "١١/ ١٠٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>