للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: ١٠١-١٠٣] . وَقَالَ تَعَالَى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} [النحل: ٨٩] .

[مَعْنَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ] :

فَإِنَّ مَعْنَاهَا الَّذِي عَلَيْهِ ... دَلَّتْ يَقِينًا وَهَدَتْ إِلَيْهِ

أَنْ لَيْسَ بِالْحَقِّ إِلَهٌ يُعْبَدُ ... إِلَّا الْإِلَهُ الْوَاحِدُ الْمُنْفَرِدُ

بِالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَبِالتَّدْبِيرِ ... جل عن الشرك وَالنَّظِيرِ

"فَإِنَّ مَعْنَاهَا" أَيْ: مَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ "الَّذِي عَلَيْهِ" مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: "دَلَّتْ" بِصَرِيحِ لَفْظِهَا "وَهَدَتْ" أَيْ: أَرْشَدَتْ "إِلَيْهِ" هُوَ "أَنْ لَيْسَ بالحق" متعلق بيعبد "إِلَهٌ" هُوَ اسْمُ لَيْسَ وَمَنْفِيُّهَا, وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ وَالْحُكْمُ الْمَنْفِيُّ "يُعْبَدُ" الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْحَقِّ وَالِاسْتِحْقَاقِ فَيَخْرُجُ مَا عُبِدَ بِبَاطِلٍ؛ وَلِذَا سَمَّاهُ الْمُشْرِكُونَ إِلَهًا فَتَسْمِيَّتُهُ بِذَلِكَ بَاطِلَةٌ فَلَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ, فَمَعْنَى لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ: لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلَّا اللَّهُ, لَا إِلَهَ نَافِيًا جَمِيعَ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ, إِلَّا اللَّهُ مُثْبِتًا الْعِبَادَةَ لِلَّهِ فَهُوَ الْإِلَهُ الْحَقُّ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ, فَتَقْدِيرُ خَبَرِ لَا الْمَحْذُوفِ بِحَقٍّ هُوَ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَمَا سَنُورِدُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ, وَأَمَّا تَقْدِيرُهُ بِمَوْجُودٍ فَيُفْهَمُ مِنْهُ الِاتِّحَادُ, فَإِنَّ الْإِلَهَ هُوَ الْمَعْبُودُ, فَإِذَا قِيلَ: لا معبود موجودا إِلَّا اللَّهُ لَزِمَ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَعْبُودٍ عُبِدَ بِحَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ هُوَ اللَّهُ فَيَكُونُ مَا عَبَدَهُ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ وَالْأَشْجَارِ وَالْأَحْجَارِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ هِيَ اللَّهُ, فَيَكُونُ ذَلِكَ كُلُّهُ تَوْحِيدًا, فَمَا عُبِدَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إِلَّا اللَّهُ إِذْ هِيَ هُوَ, وَهَذَا وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ أَعْظَمُ الْكُفْرِ وَأَقْبَحُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ, وَفِيهِ إِبْطَالٌ لِرِسَالَاتِ جَمِيعِ الرُّسُلِ وَكُفْرٌ بِجَمِيعِ الْكُتُبِ وَجُحُودٌ لِجَمِيعِ الشَّرَائِعِ وَتَكْذِيبٌ بِكُلِّ ذَلِكَ وَتَزْكِيَةٌ لِكُلِّ كَافِرٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا, إِذْ كُلُّ مَا عَبَدَهُ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ هُوَ اللَّهُ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مُشْرِكًا بَلْ مُوَحِّدًا, تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ وَالْجَاحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا, فَإِذَا فَهِمْنَا هَذَا فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيرُ الْخَبَرِ: مَوْجُودٌ إِلَّا أَنْ يُنْعَتَ اسْمُ لَا بِحَقٍّ فَلَا بَأْسَ وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: لَا إِلَهَ حَقًّا مَوْجُودٌ إِلَّا اللَّهُ, فَبِقَيْدِ الِاسْتِحْقَاقِ يَنْتَفِي الْمَحْذُورُ الَّذِي ذَكَرْنَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>