للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَرْتَكِبُ ذَلِكَ الذَّنْبَ, وَهَذَا وَاضِحٌ مَفْهُومٌ لِلْعَارِفِ بِلُغَةِ الْعَرَبِ. وَكَذَلِكَ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا تَحْرِيمُ أَهْلِ هَاتَيْنِ الشَّهَادَتَيْنِ عَلَى النَّارِ, وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا إِخْرَاجُهُمْ مِنْهَا بَعْدَ أَنْ صَارُوا حُمَمًا لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بِأَنَّ تحريم من يدخلها بِذَنْبِهِ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ بِأَنَّ تَحْرِيمَهُ عَلَيْهَا يَكُونُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهَا بِرَحْمَةِ اللَّهِ ثُمَّ بِشَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ, ثُمَّ يَغْتَسِلُونَ فِي نَهْرِ الْحَيَاةِ وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ, فَحِينَئِذٍ قَدْ حُرِّمُوا عَلَيْهَا فَلَا تَمَسُّهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ. أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ يُحَرَّمُونَ مُطْلَقًا عَلَى النَّارِ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ الَّتِي لَا يَخْرُجُ مِنْهَا مَنْ دَخَلَهَا, وَهِيَ مَا عَدَا الطَّبَقَةَ الْعُلْيَا مِنَ النَّارِ الَّتِي يَدْخُلُهَا بَعْضُ عُصَاةِ أَهْلِ التَّوْحِيدِ مِمَّنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِقَابَهُ وَتَطْهِيرَهُ بِهَا عَلَى قَدْرِ ذَنْبِهِ, ثُمَّ يَخْرُجُونَ فَلَا يَبْقَى فِيهَا أَحَدٌ. وَهَذِهِ إِشَارَةٌ كَافِيَةٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَسَنَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَسْطَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ عِنْدَ ذِكْرِ الشَّفَاعَاتِ, وَنَذْكُرُ الْأَحَادِيثَ الَّتِي فِيهَا هَذَا وَهَذَا وَالْأَحَادِيثَ الَّتِي يَكُونُ بِهَا الْجَمْعُ بَيْنَ ذَلِكَ, وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْبَابِ كَلَامًا حَسَنًا بَعْدَ سِيَاقِهِ حَدِيثَ معاذ وحديث عتبان وَحَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ وَحَدِيثَ عُبَادَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَعَ غَيْرِهَا مِنَ الْأَحَادِيثِ. قَالَ: وَأَحَادِيثُ هَذَا الْبَابِ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا مَا فِيهِ أَنَّ مَنْ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَلَمْ يُحْجَبْ عَنْهَا, وَهَذَا ظَاهِرٌ فَإِنَّ النَّارَ لَا يُخَلَّدُ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ الْخَالِصِ بَلْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَلَا يُحْجَبُ عَنْهَا إِذَا طُهِّرَ مِنْ ذُنُوبِهِ بِالنَّارِ, وَقَدْ يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ فَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ بِلَا عِقَابٍ قَبْلُ. وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ معناه: أن الزنى وَالسَّرِقَةَ لَا يَمْنَعَانِ دُخُولَ الْجَنَّةِ مَعَ التَّوْحِيدِ وَهَذَا حَقٌّ لَا مِرْيَةَ فِيهِ, وَلَيْسَ فِيهِ أَنْ لا يعذب عليهما مَعَ التَّوْحِيدِ, وَفِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- مَرْفُوعًا: "مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ نَفَعَتْهُ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ يُصِيبُهُ قَبْلَ ذَلِكَ مَا أَصَابَهُ"١. الثَّانِي فِيهِ أَنْ يُحَرَّمَ عَلَى النَّارِ, وَقَدْ حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْخُلُودِ فِيهَا أَوْ عَلَى مَا يُخَلَّدُ فِيهَا أَهْلُهَا, وَهِيَ مَا عَدَا الدَّرْكَ الْأَعْلَى مِنَ النَّارِ, فَإِنَّ الدَّرْكَ الْأَعْلَى يَدْخُلُهُ كَثِيرٌ مِنْ عُصَاةِ الْمُوَحِّدِينَ بِذُنُوبِهِمْ ثُمَّ يَخْرُجُونَ بِشَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ


١ مسند البزار "كشف الأستار ١/ ١٠" وقال: وقد روي عن أبي هريرة موقوفا ورفعه أصح. قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح "المجمع ١/ ١٧".
ورواه الطبراني في الصغير "١/ ١٤٠" والأوسط "المجمع ١/ ١٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>