للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي السُّنَّةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْحَدِيثَ بِطُولِهِ, وَفِيهِ: "ثُمَّ يُنَادِي: أَيُّهَا النَّاسُ أَلَمْ تَرْضُوا مِنْ رَبِّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ وَأَمَرَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا أَنْ يُوَلِّيَ كُلَّ أُنَاسٍ مِنْكُمْ مَا كَانُوا يَتَوَلَّوْنَ وَيَعْبُدُونَ فِي الدُّنْيَا, أَلَيْسَ ذَلِكَ عَدْلًا مِنْ رَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَيَنْطَلِقُ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ وَيَتَوَلَّوْنَ فِي الدُّنْيَا, قَالَ: فَيَنْطَلِقُونَ وَيُمَثَّلُ لَهُمْ أَشْبَاهُ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يَنْطَلِقُ إِلَى الشَّمْسِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْطَلِقُ إِلَى الْقَمَرِ وَإِلَى الْأَوْثَانِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَأَشْبَاهِ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ, قَالَ: وَيُمَثَّلُ لِمَنْ كَانَ يَعْبُدُ عِيسَى شَيْطَانُ عِيسَى وَيُمَثَّلُ لِمَنْ كَانَ يَعْبُدُ عزيرا شيطان عزير, وَيَبْقَى مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَمَتُّهُ" ١ الْحَدِيثَ. قُلْتُ: وَقَوْلُهُ: "يمثل لَهُمْ أَشْبَاهُ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ... إِلَخْ" هَذَا فِي مِثْلِ عِيسَى وَعُزَيْرٍ. وَأَمَّا عَبْدَةُ الطَّاغُوتِ فَتَقُودُهُمْ طَوَاغِيتُهُمْ حَقِيقَةً لَا أَشْبَاهَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ, وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ] :

وَالثَّانِ شِرْكٌ أَصْغَرٌ وَهْوَ الرِّيَا ... فَسَّرَهُ بِهِ خِتَامُ الْأَنْبِيَا

"وَ" النَّوْعُ "الثَّانِ" مِنْ نَوْعَيِ الشِّرْكِ "شِرْكٌ أَصْغَرُ" لَا يُخْرِجُ مِنَ الْمِلَّةِ وَلَكِنَّهُ يُنْقِصُ ثَوَابَ الْعَمَلِ, وَقَدْ يُحْبِطُهُ إِذَا زَادَ وَغَلَبَ "وَهُوَ الرِّيَا" الْيَسِيرُ فِي تَحْسِينِ الْعَمَلِ "فَسَّرَهُ بِهِ" أَيْ: فَسَّرَ الشرك الأصغر بالرياء "خِتَامُ الْأَنْبِيَا" مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: "إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ؟ قَالَ: "الرِّيَاءُ" ٢. وَبِذَلِكَ فُسِّرَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الْكَهْفِ: ١١٠] وَعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَقَالَ: أَنْبِئْنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ, أَرَأَيْتَ رَجُلًا يُصَلِّي يَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ وَيُحِبُّ أَنْ يُحْمَدَ, وَيَصُومُ يَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ وَيُحِبُّ أَنْ يُحْمَدَ, وَيَتَصَدَّقُ يَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ وَيُحِبُّ أَنْ يُحْمَدَ, وَيَحُجُّ يَبْتَغِي


١ سيأتي بطوله.
٢ رواه أحمد "٥/ ٤٢٨ و٤٢٩" وابن حبان "ح٢٤٩٩" والبغوي في شرح السنة "ح٤١٣٥" وإسناده على شرط مسلم, من حديث محمود بن لبيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>