للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"والحالة الثَّانِيَةُ" أَنَّ يُطْلَقَ الْإِيمَانُ مَقْرُونًا بِالْإِسْلَامِ, وَحِينَئِذٍ يُفَسَّرُ بِالِاعْتِقَادَاتِ الْبَاطِنَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ هَذَا وَمَا فِي مَعْنَاهُ, وَكَمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [النساء: ٥٧] في غيرما مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ, وَكَمَا فِي قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي دُعَاءِ الْجِنَازَةِ: "اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ, وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفِّهِ عَلَى الْإِيمَانِ" ١, وَذَلِكَ أَنَّ الْأَعْمَالَ بِالْجَوَارِحِ وَإِنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْهَا فِي الْحَيَاةِ, فَأَمَّا عِنْدُ الْمَوْتِ فَلَا يَبْقَى غَيْرُ قَوْلِ الْقَلْبِ وَعَمَلِهِ. وَكَحَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْإِسْلَامُ عَلَانِيَةٌ, وَالْإِيمَانُ فِي الْقَلْبِ" ٢.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إِذَا أُفْرِدَ كُلٌّ مِنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ بِالذِّكْرِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ, بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ يَشْمَلُ الدِّينَ كُلَّهُ, وَإِنْ فُرِّقَ بَيْنَ الِاسْمَيْنِ كَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْجَلِيلِ. وَالْمَجْمُوعُ مَعَ الْإِحْسَانِ هُوَ الدِّينُ كَمَا سَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ كُلَّهُ دِينًا, وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا تَفْسِيرُ الْإِيمَانِ بِالْإِسْلَامِ وَالْإِسْلَامِ بِالْإِيمَانِ, وَبِذَلِكَ جمع بينه وبينها أَهْلُ الْعِلْمِ.

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَمَّا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ النُّصُوصِ وَبَيْنَ حَدِيثِ سُؤَالِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَتَفْرِيقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا وَإِدْخَالِهِ الْأَعْمَالَ فِي مُسَمَّى الْإِسْلَامِ دُونَ الْإِيمَانِ, فَإِنَّهُ يَتَّضِحُ بِتَقْرِيرِ أَصْلٍ, وَهُوَ أَنَّ مِنَ الْأَسْمَاءِ مَا يَكُونُ شَامِلًا لِمُسَمَّيَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ عِنْدَ إِفْرَادِهِ وَإِطْلَاقِهِ, فَإِذَا قُرِنَ ذَلِكَ


١ رواه أبو داود "٣/ ٢١١/ ح٣٢٠١" في الجنائز، باب الدعاء للميت, والترمذي "٣/ ٣٤٣/ ح١٠٢٤" في الجنائز، باب ما يقول في الصلاة على الميت, وابن ماجه "١/ ٤٨٠/ ح١٤٩٨" في الجنائز، باب ما جاء في الدعاء في الصلاة على الجنازة, وأحمد "٢/ ٣٦٨" و"٤/ ١٧٠/ و٣٠٨", وابن حبان "الإحسان ٥/ ٢٩" والحاكم "١/ ٣٥٨" وقال: "صحيح على شرط الشيخين" ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
٢ رواه أحمد "٣/ ١٣٥، ١٣٦" وأبو يعلى بتمامه "المجمع ١/ ٥٧" والبزار مختصرا "كشف الأستار ١/ ١٩" وابن أبي شيبة في الإيمان "ص٥/ ح٦" قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح ما خلا علي بن مسعدة, وقد وثقه ابن حبان وأبو داود الطيالسي وأبو حاتم وابن معين وضعفه آخرون "المجمع ١/ ٥٧" وعلي هذا قال الحافظ في التقريب: صدوق له أوهام.

<<  <  ج: ص:  >  >>