للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَحْشَرِ كَأَخْفَافِ الْإِبِلِ, وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ هَمْسًا سِرُّ الْحَدِيثِ وَوَطْءُ الْأَقْدَامِ فَجَمَعَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ, وَفِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ "وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا الرُّسُلُ" ١ الْحَدِيثَ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ ذَلَّتْ وَخَضَعَتْ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْأَسِيرِ عَانٍ الْقَيُّومِ تَضْمِينٌ لِمَعْنَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه: ١١] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ خَضَعَتْ وَذَلَّتْ وَاسْتَسْلَمَتِ الْخَلَائِقُ لِجَبَّارِهَا الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ الْقَيُّومُ الَّذِي لَا يَنَامُ, وَهُوَ قَيِّمٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ يُدِيرُهُ وَيَحْفَظُهُ, فَهُوَ الْكَامِلُ فِي نَفْسِهِ الَّذِي كَلُّ شَيْءٍ فَقِيرٌ إِلَيْهِ, لَا قِوَامَ لَهُ إِلَّا بِهِ {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} [طه: ١١١] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ خَسِرَ مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ وَالظُّلْمُ هُوَ الشِّرْكُ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالظُّلْمِ هُنَا الْعُمُومُ, فَيَتَنَاوَلُ الشِّرْكَ وَغَيْرَهُ مِنْ ظُلْمِ الْعَبْدِ نَفْسَهُ وَظُلْمِ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا, فَإِنَّ اللَّهَ سَيُؤَدِّي كُلَّ حَقٍّ إِلَى صَاحِبِهِ حَتَّى يَقْتَصَّ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا يُجَاوِزُنِي الْيَوْمَ ظُلْمُ ظَالِمٍ٢ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: "إِيَّاكُمْ وَالظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" ٣ فَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى ظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ وَخَيْبَةٌ دُونَ خَيْبَةٍ, وَالْخَيْبَةُ كُلُّ الْخَيْبَةِ لِمَنْ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ بِهِ مُشْرِكٌ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لُقْمَانَ: ١٣] وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ عَائِشَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ "الدَّوَاوِينُ ثَلَاثَةٌ دِيوَانٌ لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ وَدِيوَانٌ لَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِ وَدِيوَانٌ لَا يَتْرُكُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا" ٤ الْحَدِيثَ وَاقْتُصَّ مِنْ ذِي الظُّلْمِ أَيِ اقْتُضَى مِنَ الظَّالِمِ لِلْمَظْلُومِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النِّسَاءِ: ٤٠] وَقَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ} [غَافِرٍ: ١٧-٢٠] وَقَالَ تَعَالَى: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [الزُّمَرِ: ٦٩] {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}


١ تقدم.
٢ لم أجده مسندا.
٣ رواه البخاري ٥/ ١٠٠ في المظالم باب الظلم ظلمات يوم القيامة ومسلم ٤/ ١٩٩٦/ ح٢٥٧٩ في البر باب تحريم الظلم.
٤ تقدم تخريجه سابقا.

<<  <  ج: ص:  >  >>