للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالنَّفْيُ لِمَا كَانَ يَعْتَقِدُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فِيهِمْ مِنَ الضُّرِّ وَالنَّفْعِ, وَكَانُوا يَخَافُونَهُمْ خَوْفًا شَدِيدًا وَيَسْتَعِيذُونَ بِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُمْ: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الْجِنِّ: ٦] زَادَ الْإِنْسُ الْجِنَّ جَرَأَةً عَلَيْهِمْ وَشَرًّا وَطُغْيَانًا, وَزَادَتْهُمُ الْجِنُّ إِخَافَةً وَخَبَلًا وَكُفْرَانًا, وَكَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا نَزَلَ وَادِيًا قَالَ: أَعُوذُ بِسَيِّدِ هَذَا الْوَادِيَ مِنْ سُفَهَائِهِ فَيَأْتِي الشَّيْطَانُ فَيَأْخُذُ مِنْ مَالِ هَذَا الْمُسْتَعِيذِ أَوْ يُرَوِّعُهُ فِي نَفْسِهِ, فَيَقُولُ: يَا صَاحِبَ الْوَادِي جَارُكَ, أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ, فَيَسْمَعُ مُنَادِيًا يُنَادِي ذَلِكَ الْمُعْتَدِيَ أَنِ اتْرُكْهُ أَوْ دَعْهُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ١. فَأَبْطَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَلِكَ وَنَفَى أَنْ يَضُرُّوا أَحَدًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَبْدَلَنَا عَنِ الِاسْتِعَاذَةِ بِالْمَخْلُوقِينَ الاستعاذة بجبار السموات وَالْأَرْضِ رَبِّ الْكَوْنِ وَخَالِقِهِ وَمَالِكِهِ وَإِلَهِهِ وَبِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلْيَا وَكَلِمَاتِهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ جَبَّارٌ وَلَا مُتَكَبِّرٌ, فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [الْمُؤْمِنُونَ: ٩٧] وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الْأَعْرَافِ: ٢٠٠] وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الْفَلَقِ: ١] إِلَى آخَرِ السُّورَةِ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [النَّاسِ: ١] إِلَى آخَرِ السُّورَةِ. وَغَيْرِهَا مِنَ الْآيَاتِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ: "مَا سَأَلَ سَائِلٌ بِمِثْلِهَا وَلَا اسْتَعَاذَ مُسْتَعِيذٌ بِمِثْلِهَا" ٢ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا فَقَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ, لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْحَلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ" ٣ وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ. وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ "إِذَا تَغَوَّلَتِ الْغِيلَانُ فَبَادِرُوا بِالْأَذَانِ" ٤ وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ


١ انظر ابن كثير "٤/ ٤٥٧".
٢ رواه النسائي "٨/ ٢٥٠-٢٥٢" في الاستعاذة في فاتحته. والدارمي "٢/ ٤٦٢" في فضائل القرآن باب في فضل المعوذتين.
٣ رواه مسلم "٤/ ٢٠٨٠/ ح٢٧٠٨" في الذكر والدعاء باب في التعوذ من سوء القضاء.
٤ رواه ابن أبي شيبة "١١/ ١٥٦" وأحمد "٣/ ٣٠٥ و٣٨١-٣٨٢" والنسائي في عمل اليوم والليلة "ح٩٥٥" وابن السني في عمل اليوم والليلة "ح٥٢٤" من حديث جابر رضي الله عنه. وفي سنده إرسال الحسن عن جابر فإنه لم يسمع منه. ورواه البزار "كشف الأستار ٤/ ٣٤" وابن عدي في الكامل "٥/ ١٧٦٠". من حديث سعد بن أبي وقاص. وفي سنده إرسال الحسن عن سعد فإنه لم يسمع منه. ورواه الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة "المجمع ١٠/ ١٣٧" وفي سنده عدي بن الفضل وهو متروك. ورواه ابن عدي "٥/ ١٦٨٥" من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وفي سنده عمر بن صبح وهو واه. فالحديث تطمئن النفس له وتميل إلى قبوله. وقد صح موقوفا من قول عمر كما تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>