للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَارِي الْبَرَايَا مُنْشِئُ الْخَلَائِقِ ... مُبْدِعُهُمْ بِلَا مِثَالٍ سَابِقِ

"أَوَّلُ وَاجِبٍ" فَرَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ "عَلَى الْعَبِيدِ" هُوَ "مَعْرِفَةُ الرَّحْمَنِ" أَيْ: مَعْرِفَتُهُمْ إِيَّاهُ "بِالتَّوْحِيدِ" الَّذِي خَلَقَهُمْ لَهُ وَأَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ بِهِ ثُمَّ فَطَرَهُمْ شَاهِدِينَ مُقِرِّينَ بِهِ ثُمَّ أَرْسَلَ بِهِ رُسُلَهُ إِلَيْهِمْ وأنزل به كتبهم عَلَيْهِمْ "إِذْ" حَرْفُ تَعْلِيلٍ لِأَوَّلِيَّةِ وُجُوبِ مَعْرِفَةِ الْعِبَادِ رَبَّهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالتَّوْحِيدِ "هُوَ مِنْ كُلِّ الْأَوَامِرِ" جَمْعُ أَمْرٍ وَهُوَ خِطَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْمُتَعَلِّقُ بِالْمُكَلَّفِينَ بِصِيغَةٍ تَسْتَدْعِي الْفِعْلَ "أَعْظَمُ" كَمَا أَنَّ ضِدَّهُ مِنَ الشِّرْكِ وَالتَّعْطِيلِ وَالتَّمْثِيلِ هُوَ أَعْظَمُ الْمَنَاهِي, وَلِهَذَا لَا يَدْخُلُ الْعَبْدُ فِي الْإِسْلَامِ إِلَّا بِهِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا بِضِدِّهِ وَلَمْ يُزَحْزَحْ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلِ الْجَنَّةَ إِلَّا بِهِ. وَلَا يَخْلُدُ فِي النَّارِ وَيُحْرَمُ الْجَنَّةَ إِلَّا بِضِدِّهِ وَلَمْ تَدْعُ الرُّسُلُ إِلَى شَيْءٍ قَبْلَهُ وَلَمْ تَنْهَ عَنْ شَيْءٍ قَبْلَ ضِدِّهِ "وَهُوَ" أَيِ: التَّوْحِيدُ "نَوْعَانِ":

الْأَوَّلُ: التَّوْحِيدُ الْعِلْمِيُّ الْخَبَرِيُّ الِاعْتِقَادِيُّ الْمُتَضَمِّنُ إِثْبَاتَ صِفَاتِ الْكَمَالِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَنْزِيهَهُ فِيهَا عَنِ التَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ وَتَنْزِيهَهُ عَنْ صِفَاتِ النَّقْصِ وَهُوَ تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.

وَالثَّانِي: التَّوْحِيدُ الطَّلَبِيُّ الْقَصْدِيُّ الْإِرَادِيُّ وَهُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَتَجْرِيدُ مَحَبَّتِهِ وَالْإِخْلَاصُ لَهُ وَخَوْفُهُ وَرَجَاؤُهُ وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ وَالرِّضَا بِهِ رَبًّا وَإِلَهًا وَوَلِيًّا وَأَنْ لَا يَجْعَلَ لَهُ عِدْلًا فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ وَهُوَ تَوْحِيدُ الْإِلَهِيَّةِ.

وَالْقُرْآنُ كُلُّهُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ فِي تَقْرِيرِ هَذَيْنِ التَّوْحِيدَيْنِ لِأَنَّهُ إِمَّا خَبَرٌ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا يَجِبُ أَنْ يُوصَفَ بِهِ وَمَا يَجِبُ أَنْ يُنَزَّهَ عَنْهُ وَهُوَ التَّوْحِيدُ الْعِلْمِيُّ الْخَبَرِيُّ الِاعْتِقَادِيُّ وَإِمَّا دَعْوَةٌ إِلَى عِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَخَلْعِ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ فَهُوَ التَّوْحِيدُ الطَّلَبِيُّ الْإِرَادِيُّ. وَإِمَّا أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَإِلْزَامٌ بِطَاعَتِهِ فَذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ التَّوْحِيدِ وَمُكَمِّلَاتِهِ وَإِمَّا خَبَرٌ عَنْ إِكْرَامِهِ لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ وَمَا فَعَلَ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ النَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ وَمَا يُكْرِمُهُمْ بِهِ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ جَزَاءُ تَوْحِيدِهِ. وَإِمَّا خَبَرٌ عَنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَمَا فَعَلَ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ النَّكَالِ وَمَا يَفْعَلُ بِهِمْ فِي الْعُقْبَى مِنَ الْعَذَابِ فَهُوَ جَزَاءُ مَنْ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ تَوْحِيدِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>