للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَالِثٌ فِي تُفَاضِلِ أَهْلِ الْإِيمَانِ. وَرَجَّحَ هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى١, فَإِذَا كَانَ هَذَا التَّفَاوُتُ بَيْنَ أَتِّبَاعِ الرُّسُلِ فَكَيْفَ تَفَاوَتَ مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رُسُلِهِمْ, وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّ الرُّسُلَ مُتَفَاضِلُونَ فَقَالَ {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} [الْبَقَرَةِ: ٢٥٣] وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ, وَكَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ تَفَاوُتِهِمْ فِي الْإِيمَانِ فِي دَارِ التَّكْلِيفِ كَذَلِكَ جَعَلَ الْجَنَّةَ الَّتِي هِيَ دَارُ الثَّوَابِ مُتَفَاوِتَةَ الدَّرَجَاتِ مَعَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمْ فِيهَا, فَقَالَ فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرَّحْمَنِ: ٤٦-٥٩] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. وَكَذَا فِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ أَخْبَرَ بِصِفَةِ الْجَنَّةِ الَّتِي يَدْخُلُهَا السَّابِقُونَ أَعْظَمَ وَأَعْلَى مِنْ صِفَاتِ الْجَنَّةِ الَّتِي يَدْخُلُهَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ, وَكَذَلِكَ فِي سُورَةِ الْمُطَفِّفِينَ؛ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [الْمُطَفِّفِينَ: ٢٢-٢٨] وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَقَالَ النَّبِيُّ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "جَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا, وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا, وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ" ٢.


١ انظر ذلك في طريق الهجرتين وباب السعادتين "ص١٣٥" بتحقيقي.
٢ البخاري "٨/ ٦٢٤" في تفسير سورة الرحمن، باب "ومن دونهما جنتان" وباب "حور مقصورات في الخيام"، وفي بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة، وفي التوحيد، باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} ومسلم "١/ ١٦٣/ ح١٨٠" في الإيمان، باب قوله عليه السلام: "إن الله لا ينام".

<<  <  ج: ص:  >  >>