للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجاء المعاصرون وتناولوا الحرية التي أباحها لهم الشعر الحر فخرجوا على قانون الأذن العربية ونظموا أشطرًا ذات خمس تفعيلات. وكان ينبغي لهم، إذ ذاك، أن يتوقفوا ويدرسوا هذه المسألة ويقرروا مدى نجاحها. فلماذا لم يكتب العرب شعرًا خماسي التفعيلات على الإطلاق؟ أو كان ذلك مصادقة واعتباطًا؟ أم أن للعدد خمسة صفة تجعله لا يصلح في شعر لدن ذي إيقاع؟ على أن المعاصرين، شعراء ونقادًا، لم يعنوا ببحث هذه الأسئلة ولم يقفوا عندها. لا بل إن مجابهتنا بالأشطر الخماسية لم تُثر أي صدى فكأن العرب قد ألفوا ذلك. ومضى الشعراء يكتبون أشطرًا خماسية دونما تعليق.

وكان ذلك كله ينم عن الإهمال، إهمال من الشعراء الذين يكتبون بأسلوب جديد فلا يعنون حتى بالإشارة إلى ذلك، وإهمال من النقاد الذين تمر بهم ظاهرة كهذه فلا تلفت أنظارهم. وإنما كان ينبغي أن تدرس القضية فإما أن تُقر باعتبارها تجديدًا يقبله الذوق المعاصر، أو أن ترفض لأنها نشاز موسيقي تأباه الأذن العربية. ولعلنا نعتب على العروضيين أكثر مما نعتب على سواهم، لما في أيديهم من سبل النقد الشعري وما لهم في أنفسنا من ثقة. على أن أكثرهم فيما نعلم قد استكبر أن ينظر في الشعر الحر، وأنف أن يعده شعرًا بحيث ينزل إلى نقده بمقاييس العروض الصلدة، ومن ثم فماذا يعنيه أن ترد فيه خمس تفعيلات أو لا ترد؟ ومهما تكن الأسباب، فإن الشعراء راحوا يقعون في الشطر الخماسي دون أن ينتبهوا إلى شناعة وقعه في السمع وقبح إيقاعه.

هذا نموذج من قصيدة لفدوى طوقان سبق أن اقتبسنا منها١:

تحبني صديقي المقرب

"أربع تفعيلات":

صداقة حميمة تشدني إليك من سنين

"خمس":


١ قصيدة "تاريخ كلمة" لفدوى طوقان. مجلة الآداب العدد الخامس. أيار ١٩٦١.

<<  <   >  >>