للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشاعر وقدرته الفنية والتعبيرية. ومهما يكن فلا بد لكل هيكل جيد من أن يمتلك أربع صفات عامة هي التماسك والصلابة والكفاءة والتعادل١.

أما التماسك فنقصد به أن تكون النسب بين القيم العاطفية والفكرية متوازنة متناسقة، فلا يتناول الشاعر لفتة في الإطار ويفصلها تفصيلًا يجعل اللفتة التالية تبدو ضئيلة القيمة أو خارجة عن نطاق الإطار. ومثال هذا الخروج على التماسك قصيدة لبدر شاكر السياب عنوانها "حفار القبور"٢ تقع في أربعة مشاهد واضحة كان ينبغي أن ينال كل منها من عناية الشاعر ما يساوي عنايته بغيره، ولكن الشاعر، لسبب ما، تلكأ طويلًا في المشهد الأول وحلل نفسية الحفار في بطء شديد. ثم تقدم في عجلة، إلى المشاهد الثلاثة الباقية فأجهز عليها في غير عناية. ذلك مع أن القصيدة لم تبلغ قمتها العاطفية ومن ثم قمتها الدراماتيكية، إلا في المشهد الرابع. وهذا كله قد أخل بتماسك الهيكل وضعضعه فتفكك وأساء إلى هذه القصيدة التي تمتاز بما فيها من صور وانفعالات وحركة ملموسة يحسها القارئ عبر المشاهد المتلاحقة.

وثاني صفات الهيكل الجيد، الصلابة، ونقصد بها أن يكون هيكل القصيدة العام متميزًا عن التفاصيل التي يستعملها الشاعر للتلوين العاطفي والتمثيل الفكري. وتكبر قيمة هذه الصفة في الهيكل الهرمي كما سيأتي. والتشبيهات والأحاسيس ينبغي أن تكون تفاصيل سياقية عارضة يحرص الشاعر على كبح جماحها بحيث لا تضيع فيها حدود الخط الأساسي في الهيكل. ويتضمن هذا أن الصور والعواطف ينبغي ألا تزيد عما يحتاج إليه الهيكل، فقد ثبت في حالات عديدة أن هذه الزيادة المعرقلة تفقد


١ اصطلاحات وضعتها أنا. ولا بد من الوضع إذا نحن أردنا أن نبني أسسًا ثابتة لنقد عربي حديث يرتكز إلى إنتاجنا وحياتنا الفكرية المعاصرة.
٢ حفار القبور. مطبعة الزهراء. بغداد ١٩٥٢.

<<  <   >  >>