للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكون "اجتماعيًّا" أنها تتسلح بمجموعة من التعابير المبهمة التي لا تحاول تحديدها من نحو قولها "الأبراج العاجية" و"المتهربون من الواقع" و"الأدب الشعبي" و"الشعراء الذاتيون". وقد أدى إلى تداول جماهير الكتاب لهذه الألفاظ إلى اضطراب شديد في مدلولاتها وأكسبها من السطحية ما يجعل الناقد المثقف يتحرج من استعمالها محاولًا صياغة تعابير جديدة تؤدي معانيها الفنية والنظرية. أما العاطفية التي يتصف بها كثير من المقالات التي تؤيد الدعوة، فهي تجعلها غالبًا خلوًّا من الرصانة الفكرية التي تتسم بها الدعوات الفنية والمذاهب الفلسفية. ويبدو لنا أن الدعوة قد نسيت حتى الآن أنها دعوة في مجال فني، فهي تتحدث عن كل شيء آخر غير الشعر، مع أنها موجهة إلى الشعراء. ومن المؤكد أنها لم تقف بعد لتفكر في أسس نظرية تخطها وتضمن بها لأتباعها من ناشئي الشعراء ما يقيهم التخبط وهم ينظمون قصائدهم وفقها، ولم تتساءل بعد عن المدلول الشعري لهذه "الاجتماعية" التي تنادي بها: أهي منهج يتقي به الشاعر الناشئ العثرات الضخمة التي تنتظره في مسالك القصيدة الوعرة؟ أهي تخطيط يدله على هيكل القصيدة ويعينه على بنائه؟ أهي تحديد للموضوع؟ كل هذه أسئلة تستهين بها الدعوة، فالجهة الشعرية من الشعر المعاصر هي آخر ما تهتم له وكأنها دعوة في مجال اجتماعي منفصل انفصالًا تامًّا عن الشعر الذي تطبق عليه.

والدعوة بصورتها الحالية تحتمل نقدًا شديدًا من جهاتها كلها: فنيًّا وإنسانيًّا ووطنيًّا وجماليًّا. وأبرز مواطن الضعف فيها أنها -كما قلنا- لا ترتكز إلى أسس فنية، شعرية، ولم يحاول كاتب واحد بعد أن يحددها من وجهتها النظرية. على أن في صيحاتها المتتابعة ما يمكن أن نعده أسسًا مبهمة تريد تشييدها، وفي حدود هذه الأسس نريد أن ندرسها ونناقش موقفها من الشعر إجمالًا.

أما من الوجهة الفنية، فيبدو لنا أن الدعوة حين تلح على أن الشعر

<<  <   >  >>