للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

و"النارنجة" رمال منهارة لا يقيم عليها الإنسان المتوسط الحكيم سعادته، فالأولى وهم مطلق والثانية مجرد شجرة فانية.

وقد كانت انفعالية الشابي أكثر اتساعًا من انفعالية الهمشري حتى كانت العواطف عنده مرضًا ناهشًا، فعاش الشاعر يلهث وأتعبه الشعر حتى قتله. إن الشعر قد كان هو السل الأكبر في حياة هذا الشاعر المشتعل، ومن أجله عاش يتعذب بكل جمال يمر به، وإن كان عذابه لذيذًا.

أما كيتس فنحن نحتاج إلى أن نقف عنده وقفة أطول، فقد كان الانفعال، بالنسبة إليه، هو الموضوع وهو غاية الحياة كلها. وهذا يخالف الموقف الشائع الذي لا يرى في العواطف إلا عرضًا يصاحب الأحداث ويستحسن الإنسان المتوسط أن يتجنبه جهد الإمكان. ويكفي، لكي نشير إلى المكانة العميقة التي يحتلها الانفعال من حياة كيتس، أن نقتطف بيتين رائعين وردا في إحدى قصائده. قال:

"أواه، هل وجد قط ذلك الإنسان

المنفرد الذي أحب ولم تقتله الموسيقى؟ "١

إن المضمون الفكري الذي تنطوي عليه هذه الصرخة العاطفية الغنية بالمعاني هو أن اجتماع الانفراد والحب والموسيقى في حياة أي إنسان كفيل بأن يثير انفعاله إلى درجة قاتلة. غير أن كيتس كان يتحدث عن نفسه، وقد كان يدرك في مرارة أن الموسيقى لم تقتل مع الناس كثيرين غيره.

والحق أن كيتس قد كان يملك قدرة خارقة على الانفعال يندر مثيلها حتى بين الشعراء والفنانين الكبار وكأنه كان متجهًا بكيانه كله إلى أن يحترق ليكون شاعرًا عظيمًا. إن ألفاظه تنبجس بالعواطف الغزيرة والإحساسات الحادة حتى يكاد القارئ المرهف المتذوق لا يقوى على أن


١ قصيدة كيتس endymion الكتاب الثاني.

<<  <   >  >>