للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العلوم في أنفسها بموضوعاتها وهو تمايز اعتبروه مع جواز الامتياز بشيء آخر كالغاية والمحمول. وسلكت الأواخر أيضاً هذه الطريقة الثانية في علومهم وذلك أمر استحسنوه في التعليم والتعلم وإلا فلا مانع عقلاً من أن يعد كل مسألة علماً برأسه ويفرد بالتعليم والتدوين ولا من أن يعد مسائل متكثرة غير متشاركة في الموضوع علماً واحداً يفرد بالتدوين وإن تشاركت من وجه آخر ككونها متشاركة في أنها أحكام بأمور على أخرى فعلم أن حقيقة كل علم مدون المسائل المتشاركة في موضوع واحد وأن لكل علم موضوعاً وغاية كل منهما جهة وحدة تضبط تلك المسائل المتكثرة وتعد باعتبارها علماً واحداً إلا أن الأولى جهة وحدة ذاتية والثانية جهة وحدة عرضية ولذلك يعرف العلوم تارة باعتبار الموضوع فيقال في تعريف المنطق مثلاً علم يبحث فيه عن أحوال المعلومات وتارة باعتبار الغاية فيقال في تعريفه آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر. ثم إن الأحوال المتعلقة بشيء واحد أو بأشياء متناسبة (١) تناسباً معتداً به إما في أمر ذاتي كالخط والسطح والجسم التعليمي المتشاركة في مطلق المقدار الذي هو ذاتي لها لعلم الهندسة أو في أمر عرضي كالكتاب والسنة والإجماع والقياس المتشاركة في كونها موصلة إلى الأحكام الشرعية لعلم أصول الفقه فتكون تلك الأحوال من الأعراض الذاتية التي تلحق الماهية من حيث هي لا بواسطة أمر أجنبي. وأما التي جميع مباحث العلم راجعة إليها فهي إما راجعة إلى نفس الأمر الذي هو الواسطة كما يقال في الحساب العدد إما زوج أو فرد أو إلى جزئي تحته كقولنا الثلاثة فرد وكقولنا في الطبيعي الصورة تفسد وتخلف بدلاً عنه أو إلى عرض ذاتي له كقولنا المفرد [لعله الفرد] إما أول أو مركب وإما العرض الغريب وهو ما يلحق الماهية بواسطة أمر عجيب إما خارج عنها أعم منها أو أخص فالعلوم لا تبحث عنه فلا ينظر المهندس في إن الخط المستدير أحسن أو المستقيم ولا في أن الدائرة نظير الخط المستقيم أو ضده لأن الحسن والتضاد غريب عن موضوع علمه وهو المقدار فإنهما يلحقان المقدار لا لأنه مقدار بل لوصف أعم منه كوجوده أو كعدم


(١) والاشياء المتناسبة يشترط ان تكون متحدة في الجنس او في النسبة المتصلة او في الغاية كما ان المقدار جنس الخط والسطح والجسم وكاتحاد النقطة والخط والسطح والجسم في النسبة فان نسبة النقطة الى الخط كنسبة الخط الى السطح ونسبته كنسبة السطح الى الجسم كاتحاد بدن الانسان والمزاج والاخلاط والاركان والقوى والافعال وغيرها من الادوية والاغذية في كونها منسوبة الى الغاية في علم الطب وهى الصحة ان جعلت جميع هذه الامور موضوعاته (منه).