للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لينال بتمويهه غرضاً كما اتفق في علوم الكيميا والسيميا والسحر والطلسمات والعجب ممن يقبل دعوى من يدعي علماً من هذه العلوم فالفطرة قاضية بأن من يطلع على ذنابة (١) من أسرار هذه العلوم يكتمها عن والده وولده. ومنها ذم جاهل متعالم لجهله إياه فإن من جهل شيئاً أنكره وعاداه كما قيل: المرء عدو لما جهله أو ذم عالم متجاهل لتعصبه على أهله بسبب من الأسباب فإنك تسمعهم يقولون بتحريم المنطق مع كونه ميزان العلوم وتحريم الفلسفة مع أنها عبارة عن معرفة حقائق الأشياء وليس فيها ما ينافي الشرع المبين والدين المتين غير المسائل اليسيرة التي أوردها أصحاب التهافت كما سيأتي. وليس في كتب الحنفية القول بتحريم المنطق غير الأشباه فإن كان صاحبه رآه كان المناسب أن ينقل. وأما ما في كتب الشافعية من التصريح به فمن قبيل سد الذرائع وصرف الطبائع إلى علوم الشرائع.

ولعل المراد من منع الأئمة عن تعليم بعض العلوم وتعلمه تخليص أصحاب العقول القاصرة من تضييع العمر وتعذيبهم بلا فائدة فإن في تعليم أمثاله ليس له عائدة وإلا فالعلم إن كان مذموماً في نفسه على زعمهم لا يخلو تحصيله عن فائدة أقلها رد القائلين بها.

الإعلام الرابع: في مراتب العلوم في التعليم. ولا يخفى أنه يقدم الأهم فالأهم فيه والوسيلة مقدمة على المقصد كما أن المباحث اللفظية مقدمة على المباحث المعنوية لأن الألفاظ وسيلة إلى المعاني ويقدم الأدب على المنطق ثم هما على أصول الفقه ثم هو على الخلاف. والتحقيق إن تقدم العلم على العلم لثلاثة أمور إما لكونه أهم منه كتقديم فرض العين على فرض الكفاية وهو على المندوب إليه وهو على المباح وإما لكونه وسيلة إليه كما سبق فيقدم النحو على المنطق وإما لكون موضوعه جزأ من موضوع العلم الآخر والجزء مقدم على الكل فيقدم التصريف على النحو وربما يقدم علم على علم لا لشيء منها بل لغرض التمرين على إدراك المعقولات كما أن طائفة من القدماء قدموا تعليم علم الحساب وكثيراً ما يقدم الأهون فالأهون ولذا قدم المصنفون في كتبهم النحو على التصريف ولعلهم راعوا في ذلك أن الحاجة إلى النحو أمس. ثم أنه تختلف فروض الكفاية في التأكد وعدمه بحسب خلو الأعصار والأمصار من العلماء فرب مصر لا يوجد فيه من يقسم الفريضة إلا واحد أو اثنان ويوجد فيه عشرون فقيهاً فيكون تعلم الحساب فيه آكد من أصول الفقه.

واعلم أن الواجب علمه هو فرض عين وهو كل ما أوجبه الشرع على الشخص في خاصة نفسه وأماما أوجبه على المجموع


(١) وهو تصحيف.١ - ٤٥ - ٦. (ذبابة): F