للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعضها عن بعض باعتبار مخارجها وصفاتها حتى يحصل منها بالتركيب كلمات دالة على المعاني الحاصلة في الضمير فيتيسر لهم فائدة التخاطب والمحاورات والمقاصد التي لا بد منها في معاشهم.

ثم إن تركيبات تلك الحروف لما أمكنت على وجوه مختلفة وأنحاء متنوعة حصل لهم ألسنة مختلفة ولغات متباينة وعلوم متنوعة. ثم إن أرباب الهمم من بين الأمم لما لم يكتفوا بالمحاورة في إشاعة هذه النعم لاختصاصها بالحاضرين سمت همتهم السامية إلى إطلاع الغائبين ومن بعدهم على ما استنبطوه من المعارف والعلوم وأتعبوا نفوسهم في تحصيلها لينتفع بها أهل الأقطار ولتزداد العلوم بتلاحق الأفكار وضعوا قواعد الكتابة الثابتة نقوشها على وجه كل زمان وبحثوا عن أحوالها من الحركات والسكنات والضوابط والنقاط وعن تركيبها وتسطيرها لينتقل منها الناظرون إلى الألفاظ والحروف ومنها إلى المعاني فنشأ من ذلك الوضع جملة العلوم والكتب.

الإفهام الثالث: في أوائل ما ظهر من العلم والكتاب واعلم أنه يقال أن آدم ﵇ كان عالماً بجميع اللغات لقوله ﷾ وعلم آدم الأسماء كلها [الآية] قال الإمام الرازي المراد أسماء كل ما خلق الله تعالى من أجناس المخلوقات بجميع اللغات التي يتكلم بها ولده اليوم وعلم أيضاً معانيها وأنزل عليه كتاباً وهو كما ورد في حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه أنه قال: يا رسول الله أي كتاب أنزل على آدم ﵇ قال كتاب المعجم قلت أي كتاب المعجم قال أ ب ت ث ج قلت يا رسول الله كم حرفاً قال تسعة وعشرون حرفاً الحديث وذكروا أنه عشر صحف فيها سور مقطعة الحروف وفيها الفرائض والوعد والوعيد وأخبار الدنيا والآخرة وقد بين أهل كل زمان وصورهم وسيرهم مع أنبيائهم وملوكهم وما يحدث في الأرض من الفتن والملاحم. ولا يخفى أنه مستبعد عند أصحاب العقول القاصرة وأما من أمعن النظر في الجفر ولاحظ شموله على غرائب الأمور فعنده ليس ببعيد سيما في الكتب المنزلة. وروي أن آدم ﵇ وضع كتاباً بأنواع الألسن والأقلام قبل موته بثلاثمائة سنة كتبها في طين ثم طبخه فلما أصاب الأرض الغرق وجد كل قوم كتاباً فكتبوه من خطه فأصاب إسماعيل ﵇ الكتاب العربي وكان ذلك من معجزات آدم ﵇ ذكره السيوطي في المزهر. وفي رواية: أن آدم ﵇ كان يرسم الخطوط بالبنان وكان أولاده تتلقاها بوصية منه وبعضهم بالقوة القدسية القابلية [القلبية] وكان أقرب عهد إليه إدريس ﵇ فكتب بالقلم واشتهر عنه من العلوم ما لم يشتهر عن غيره