للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتح: وأما كثرة المصنفات في العلوم واختلاف الاصطلاحات في التعليم فهي عائقة عن التحصيل لأنه لا يفي عمر الطالب بما كتب في صناعة واحدة إذا تجرد لها لأن ما صنفوه في الفقه مثلاً من المتون والشروح لو التزمه طالب لا يتيسر له مع أنه يحتاج إلى تمييز طرق المتقدمين والمتأخرين وهي كلها متكررة والمعنى واحد والمتعلم مطالب والعمر ينقضي في واحد منها ولو اقتصروا على المسائل المذهبية فقط لكان الأمر دون ذلك ولكنه داء لا يرتفع. ومثله علم العربية أيضاً في مثل كتاب سيبويه وما كتب عليه وطرق البصريين والكوفيين والأندلسيين وطرق المتأخرين مثل ابن الحاجب وابن مالك وجميع ما كتب في ذلك كيف يطالب به المتعلم وينقضي عمره دونه ولا يطمع أحد في الغاية منه فالظاهر أن المتعلم لو قطع عمره في هذا كله فلا يفي له بتحصيل علم العربية الذي هو آلة من الآلات ووسيلة فكيف يكون في المقصود الذي هو الثمرة ولكن الله يهدي من يشاء فتح: وأما كثرة الاختصارات في العلوم فإنها مخلة بالتعليم وقد ذهب كثير من المتأخرين إلى اختصار الطرق في العلوم ويدونون منها مختصراً في كل علم يشتمل على حصر مسائله وأدلتها باختصار في الألفاظ وحشو القليل منها بالمعاني الكثيرة من ذلك الفن فصار ذلك مخلاً بالبلاغة وعسيراً على الفهم وربما عمدوا إلى الكتب المطولة فاختصروها تقريباً للحفظ كما فعله ابن الحاجب في أصوله وابن مالك في العربية وفيه إخلال بالتحصيل لأن فيه تخليطاً على المبتدئ بإلقاء الغايات من العلم عليه وليس له استعداد لقبولها ثم فيه شغل كثير بتتبع ألفاظ الاختصار العويصة للفهم لتزاحم المعاني عليها. ثم إن الملكة الحاصلة من المختصرات إذا تم [تمت] على سداده فهي ملكة قاصرة عن الملكات التي تحصل من الموضوعات البسيطة لكثرة ما فيها من التكرار والإطالة المفيدين لحصول الملكة التامة ولما قصدوا إلى تسهيل الحفظ أركبوهم صعباً بقطعهم عن تحصيل الملكات النافعة المنظر السادس: في أن الحفظ غير الملكة العلمية. اعلم أن من كان عنايته بالحفظ أكثر من عنايته إلى تحصيل الملكة لا يحصل على طائل من ملكة التصرف في العلم ولذلك ترى من حصل الحفظ لا يحسن شيئاً من الفن وتجد ملكته قاصرة في علمه إن فاوض أو ناظر ومن ظن أنه المقصود من الملكة العلمية فقد أخطأ وإنما المقصود هو ملكة الاستخراج والاستنباط وسرعة الانتقال من الدوال إلى المدلولات ومن اللازم إلى الملزوم وبالعكس فإن انضم إليها ملكة الاستحضار فنعم المطلوب هذا لا يتم بمجرد الحفظ بل الحفظ من أسباب الاستحضار