للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتح: ومن الشروط العزم والثبات على التعلم إلى آخر العمر كما قيل الطلب من المهد إلى اللحد وقال لحبيبه وقل رب زدني علماً وقال وفوق كل ذي علم عليم والحيلة في صرف الأوقات إلى التحصيل أنه إذا مل من علم اشتغل بآخر كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إذا مل من الكلام مع المتعلمين هاتوا دواوين الشعراء.

فتح: ومنها اختيار معلم ناصح نقي الحسب كبير السن لا يلابس الدنيا بحيث تشغله عن دينه ويسافر في طلب الأستاذ إلى أقصى البلاد ويقال أول ما يذكر من المرء أستاذه فإن كان جليلاً جل قدره (١) وإذا وجد يلقى إليه زمام أمره ويذعن لنصحه إذعان المريض للطبيب ولا يستبد بنفسه اتكالاً على ذهنه ولا يتكبر عليه وعلى العلم ولا يستنكف لأنه قد ورد في الحديث من لم يتحمل ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً ومن الآداب احترام المعلم وإجلاله فمن تأذى منه أستاذه يحرم بركة العلم ولا ينتفع به إلا قليلاً وينبغي أن يقدم حق معلمه على حق أبويه وسائر المسلمين ومن توقيره توقير أولاده ومتعلقاته ومن تعظيم العلم تعظيم الكتب والشركاء.

فتح: ومن الشروط أن يأتي على ما قرأه مستوعباً لمسائله من مباديه إلى نهايته بتفهيم [بتفهم] واستثبات بالحجج وأن يقصد فيه الكتب الجيدة وأن لا يعتقد في علم أنه حصل منه على مقدار لا يمكن الزيادة عليه وذلك طيش يوجب الحرمان.

فتح: ومنها أن لا يدع فناً من فنون العلم إلا وينظر فيه نظراً يطلع به على غايته ومقصده وطريقته وبعد المطالعة في الجميع أو الأكثر إجمالاً إن مال طبعه إلى فن عليه أن يقصده ولا يتكلف غيره فليس كل الناس يصلحون للتعلم ولا كل من يصلح لتعلم علم يصلح لسائر العلوم بل كل ميسر لما خلق له وإن كان ميله إلى الفنون على السواء مع موافقة الأسباب ومساعدة الأيام طلب التبحر فيها فإن العلوم كلها متعاونة مرتبطة بعضها ببعض لكن عليه أن لا يرغب في الآخر قبل أن يستحكم الأول لئلا يصير مذبذباً فيحرم من الكل. ولا يكن ممن يميل إلى البعض ويعادي الباقي لأن ذلك جهل عظيم وإياه أن يستهين بشيء من العلوم تقليداً لما سمعه من الجهلة بل يجب أن يأخذ من كل حظاً ويشكر من هداه إلى فهمه. ولا يكن ممن يذم العلم ويعدوه لجهله مثل ذمهم المنطق الذي هو أصل كل علم وتقويم كل ذهن ومثل ذمهم العلوم الحكمية على الإطلاق من غير معرفة القدر المذموم والممدوح منها ومثل ذم علم النجوم مع أن بعضاً منه فرض كفاية والبعض مباح ومثل ذم مقالات الصوفية لاشتباهها عندهم والعلم إن كان مذموماً في نفسه كما زعموا فلا يخلو تحصيله عن فائدة أقلها رد القائلين بها


(١) وانما خفض ذكر محمد بن مقاتل عند اهل العراق لانه لم يعرف له استاذ جليل القدر (منه).