للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

موجودة في النوع الإنساني مذ كان عمران الخليقة وتسمى هذه العلوم علوم الفلسفة والحكمة وهي سبعة المنطق وهو المقدم وبعده التعاليم فالأرتماطيقي أولاً ثم الهندسة ثم الهيئة ثم الموسيقى ثم الطبيعيات ثم الإلهيات ولكل واحد منها فروع يتفرع عنه.

واعلم أن أكثر من عنى بها في الأجيال الأمتان العظيمتان فارس والروم فكانت أسواق العلوم نافقة لديهم لما كان العمران موفوراً فيهم والدولة والسلطان قبل الإسلام لهم وكان للكلدانيين ومن قبلهم من السريانيين والقبط عناية بالسحر والنجامة وما يتبعها من التأثيرات والطلسمات وأخذ عنهم الأمم من فارس ويونان ثم تتابعت الملل بحظر ذلك وتحريمه فدرست علومه إلا بقايا تناقلها المنتحلون وأما الفرس فكان شأن هذه العلوم العقلية عندهم عظيماً ولقد يقال إن هذه العلوم إنما وصلت إلى يونان منهم حين قتل الإسكندر داراً وغلب على مملكته واستولى على كتبهم وعلومهم إلا أن المسلمين لما افتتحوا بلاد فارس وأصابوا من كتبهم كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في شأنها وتنفيلها للمسلمين فكتب إليه عمر رضي الله تعالى عنه أن اطرحوها في الماء فإن يكن ما فيها هدىً فقد هدانا الله تعالى بأهدى منه وإن يكن ضلالاً فقد كفانا الله تعالى فطرحوها في الماء أو في النار فذهبت علوم الفرس فيها وأما الروم فكانت الدولة فيهم ليونان أولاً وكان لهذه العلوم شأن عظيم وحملها مشاهير من رجالهم مثل أساطين الحكمة واختص فيها المشاؤن منهم أصحاب الرواق واتصل سند تعليمهم على ما يزعمون من لدن لقمان الحكيم في تلميذه إلى سقراط ثم إلى تلميذه أفلاطون ثم إلى تلميذه أرسطو ثم إلى تلميذه الإسكندر الأفروديسي وكان أرسطو أرسخهم في هذه العلوم ولذلك يسمى المعلم الأول ولما انقرض أمر اليونانيين وصار الأمر للقياصرة وتنصروا هجروا تلك العلوم كما تقتضيه الملل والشرائع وبقيت في صحفها ودواوينها مخلدة في خزائنهم ثم جاء الإسلام وظهر أهله عليهم وكان ابتداء أمرهم بالغفلة عن الصنائع حتى إذا تنحنح السلطان والدولة وأخذوا من الحضارة تشوقوا إلى الاطلاع على هذه العلوم الحكمية مما سمعوا من الأساقفة وبما تسموا اليه أفكار الإنسان فيها فبعث أبو جعفر المنصور إلى ملك الروم أن يبعث إليه بكتب التعاليم مترجمة فبعث إليه بكتاب أوقليدس وبعض كتب الطبيعيات وقرأها المسلمون واطلعوا على ما فيها وازدادوا حرصاً على الظفر بما بقي منها وجاء المأمون من بعد ذلك وكانت له في العلم رغبة