للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

[القياس وصيغ المبالغة "توطئة في القياس"]

القياس هو حمل الفرع على الأصل لعلة جامعة بينهما، بإعطاء المقيس حكم المقيس عليه. وقد تشعبت آراء الأئمة في الأخذ به في مسائل كثيرة. فمنهم من اشتد فنهج له حدوداً ضيقة لا يعدوها، ومنهم من تعلَّق به فجرى فيه بغير عنان. وإذا كان لا بد من التوجه إلى القياس ما سمحت به طرائق العربية، لأنه المعوّل عليه في نماء اللغة وارتقائها، والسبيل إلى تسني ما تعسر فعز ماله من نادّها وشاردها، ذلك لتكفي ما تُستكفى وتؤدي ما تُستأدى من مسايرة شؤون العصر ومستحدثاته، أقول إذا صح التوجه إلى القياس ما جادت به أصول العربية، فإن ما نعنيه بالقياس هنا، هو قياس التصريف والاشتقاق، وقياس النقل والمجاز. وقد بسطنا القول في ذلك حين الكلام على تدرج المعاني والاشتقاق الصغير والكبير من فصول المجلة. أما قياس النحو الذي يُراد به الاستدلال الذهني لاستنباط القواعد وتعليلها فإن في الغلو فيه بعداً عن خصائص اللغة، ونأياً عن طبيعتها. ذلك أن في تحكيم المقاييس العقلية في كثير من مسائل النحو ما يضيِّق واسعاً ويمنع سائغاً، بل يحظر صحيحاً فصيحاً. فطرائق العربية لا تقاس بمقاييس عقلية كما تقاس مسائل المنطق وقضايا الفلسفة وعلم الكلام. وليس النحو قياساً كله. قال ابن جني في الخصائص (٢/٤٢) : (ومعاذ الله أن ندعي أن جميع اللغة تُستدرك بالأدلة قياساً. لكن ما أمكن ذلك منه قلنا ونبهنا عليه) . وليس الوجه أن يقال (النحو كله قياس) كما قال أبو البركات ابن الأنباري (ت ٥٧٧هـ) في كتابه (لمع الأدلة/ ٩٥) في الرد على من أنكر القياس. ففي كلامه سرف وإيغال اقتضاهما المناظرة والجدال من جهة، ومهد لهما تحكيم الفلسفة في النحو من جهة أخرى.

<<  <   >  >>