للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَرَاكَ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ، إِنْ يُرِيدَانِ إِلَّا أَنْ يَفْتِنَاكَ عَنْ دِينِكَ، وَلَوْ قَدْ وَجَدَتْ أُمُّكَ حَرَّ مَكَّةَ لَقَدِ اسْتَظَلَّتْ، وَلَوْ قَدْ آذَاهَا الْقَمْلُ لَقَدِ امْتَشَطَتْ، فَقَالَ عَيَّاشٌ: إِنَّ لِي بِمَكَّةَ مَالًا فَلَعَلِّي آخُذُهُ، قُلْتُ: وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتَ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِ قَوْمِي مَالًا فَلَكَ نِصْفَ مَالِي فَلَا تَرْجِعْ مَعَهُمَا، فَلَمَّا أَبَى إِلَّا الرَّجْعَةَ، قُلْتُ لَهُ: هَذِهِ نَاقَتِي فَخُذْهَا فَإِنَّهَا ذَلُولٌ نَاجِيَةٌ، فَالْزَمْ ظَهْرَهَا، فَإِنْ رَابَكَ مِنَ الرَّجُلِ شَيْءٌ فَانْجُ عَلَيْهَا، فَخَرَجَا بِهِ فَلَمَّا دَنَوْا مِنْ مَكَّةَ، قَالَ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ أَبُو جَهْلٍ: يَا أَخِي لَقَدِ اسْتَغْلَظَتْ بَعِيرِي هَذَا، فَلَوْ أَعْقَبْتَنِي عَلَى نَاقَتِكَ فَإِنَّهَا أَلْيَنُ مِنْهُ فَنَزَلَ، فَلَمَّا وَقَعَ إِلَى الْأَرْضِ أَوْثَقَاهُ وَضَرَبَاهُ، فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ قَالَا: يَا أَهْلَ مَكَّةَ، هَكَذَا فَافْعَلُوا بِسُفَهَائِكُمْ ثُمَّ فَتَنُوهُ فَافْتُتِنَ " قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كُنَّا نَقُولُ: مَا لِمَنِ افْتُتِنَ مِنْ تَوْبَةٍ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: مَا اللَّهُ بِقَابِلٍ مِنَّا شَيْئًا قَدْ تَرَكْنَا الْإِسْلَامَ لِبَلَاءٍ يَسِيرَ أَصَابَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: ٥٣] ، قَالَ عُمَرُ: فَكَتَبْتُهَا ثُمَّ بَعَثْتُ بِهَا إِلَى هِشَامِ بْنِ الْعَاصِ، قَالَ هِشَامٌ: لَمَّا أَتَتْنِي جَعَلْتُ أَقْرَؤُهَا فَلَا أَفْهَمُهَا، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ فَهِّمْنِيهَا، فَأُلْقِيَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا إِنَّمَا أُنْزِلَتْ لَمَّا كُنَّا نَقُولُ فِي أَنْفُسِنَا وَيُقَالُ فِينَا، فَجَلَسْتُ عَلَى بَعِيرِي ثُمَّ لَحِقْتُ بِالْمَدِينَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>