للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَيْهَا وَالِهَةٌ، وَالنُّفُوسُ لَهَا عَاشِقَةٌ، وَهِيَ لِأَزْوَاجِهَا كُلِّهِمْ قَاتِلَةٌ، فَلَا الْبَاقِي بِالْمَاضِي مُعْتَبِرٌ، وَلَا الْآخَرُ عَلَى الْأَوَّلِ مُزْدَجِرٌ، وَلَا الْعَارِفُ بِاللَّهِ حِينَ أَخْبَرَهُ عَنْهَا مُدَّكِرٌ، فَعَاشِقٌ لَهَا قَدْ ظَفِرَ مِنْهَا بِحَاجَتِهِ فَاغْتَرَّ وَطَغَى، وَنَسِيَ الْمِيعَادَ، وَشَغَلَ فِيهَا لُبَّهُ حَتَّى زَلَّتْ عَنْهُ قَدَمُهُ، وَعَظُمَتْ نَدَامَتُهُ وَكَثُرَتْ حَسَرَاتُهُ، وَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ سَكَرَاتُ الْمَوْتِ بِأَلَمِهِ , وَحَسَرَاتُ الْفَوْتِ بِغُصَّتِهِ، فَذَهَبَتْ بِكَدْمِهِ فَلَمْ يُدْرِكْ مِنْهَا مَا طَلَبَ، وَلَمْ يُرَوِّحْ نَفْسَهُ مِنَ التَّعَبِ، فَخَرَجَ بِغَيْرِ زَادٍ، وَقَدِمَ عَلَى غَيْرِ مِهَادٍ، فَاحْذَرْهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَكُنْ أَسَرَّ مَا تَكُونُ فِيهَا، أَحْذَرَ مَا تَكُونُ لَهَا، فَإِنَّ صَاحِبَ الدُّنْيَا كُلَّمَا اطْمَأَنَّ مِنْهَا إِلَى سُرُورٍ أَشْخَصَهُ إِلَى مَكْرُوهٍ، فَالسَّارِ فِيهَا بِأَهْلِهَا غَارٌّ، وَالنَّافِعُ فِيهَا غَدًا ضَارٌّ، وَقَدْ وَصَلَ الرَّخَاءَ فِيهَا بِالبَلَاءِ، وَجَعَلَ الْبَقَاءَ فِيهَا إِلَى فَنَاءٍ، فَسُرُورُهَا مَشُوبٌ بِالْحُزْنِ، لَا يَرْجِعُ مِنْهَا مَا وَلَّى فَأَدْبَرَ، وَلَا يَدْرِي مَا هُوَ آتٍ فَيَسْتُنْظِرُ.

أَمَانِيُّهَا كَاذِبَةٌ، وَآمَالُهَا بَاطِلَةٌ , وَصَفْوُهَا كَدَرٌ، وَعَيْشُهَا نَكِدٌ، وَابْنُ آدَمَ فِيهَا عَلَى خَطَرٍ، إِنْ غَفَلَ فَهُوَ مِنَ النَّعْمَاءِ عَلَى خَطَرٍ وَفِي الْبَلَاءِ عَلَى حَذَرٍ، فَلَوْ كَانَ الْخَالِقُ لَمْ يُخْبِرْ عَنْهَا خَبَرًا، وَلَمْ يَضْرِبْ لَهَا مَثَلًا لَكَانَتِ الدُّنْيَا قَدْ أَيْقَظَتِ النَّائِمَ، وَنَبَّهَتِ الْغَافِلَ فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَ مِنَ اللَّهِ عَنْهَا زَاجِرٌ، وَفِيهَا وَاعِظٌ، فَمَا لَهَا عِنْدَ اللَّهِ قَدْرٌ وَلَا وَزْنٌ، وَلَا نَظَرَ إِلَيْهَا مُنْذُ خَلَقَهَا، وَلَقَدْ عُرِضَتْ عَلَى نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِهَا لَا يَنْقُصُهُ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، كَرِهَ أَنْ يُخَالِفَ عَلَى رَبِّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>