للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ يَقُولُ: لَذَّاتُ الدُّنْيَا أَرْبَعٌ: الْمَالُ , وَالنِّسَاءُ , وَالنَّوْمُ , وَالطَّعَامُ، فَأَمَّا الْمَالُ وَالنِّسَاءُ فَلَا حَاجَةَ لِي فِيهِمَا، وَالطَّعَامُ فَلَابُدَّ وَأَمَّا النَّوْمُ لِي مِنْهُمَا، وَاللَّهِ لَأَضُرَّنَّ بِهِمَا جَهْدِي.

وَقَدْ كَانَ يَبِيتُ قَائِمًا وَيَظَلُّ صَائِمًا، وَكَانَ إِبْلِيسُ يَلْتَوِي فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ كَهَيْئَةِ الْحَيَّةِ، فَإِذَا مَا وَجَدَ رِيحَهُ نَحَّاهُ بِيَدِهِ ثُمَّ يَقُولُ: لَوْلَا نَتَنُكَ لَمْ أَزَلْ عَلَيْكَ سَاجِدًا، قَالَ: وَرَأَيْتُهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَيَدْخُلُ تَحْتَ قَمِيصِهِ وَيَخْرُجُ مِنْ كُمِّهِ فَلَا يَحِيدُ فَقِيلَ لَهُ: لَا تُنَحِّ الْحَيَّةَ؟ فَيَقُولُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ أَنْ أَخَافَ شَيْئًا غَيْرَهُ، وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ بِهَا حِينَ تَدْخُلُ وَلَا حِينَ تَخْرُجُ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ الْجَنَّةَ تُدْرَكُ بِدُونِ مَا تَصَنُّعٍ، وَإِنَّ النَّارَ تُتَّقَى بِدُونِ مَا تَصَنُّعٍ، فَيَقُولُ لَا أَنْفَكُّ حَتَّى لَا أَلُومَ نَفْسِي.

قَالَ: وَمَرِضَ فَبَكَى، فَقيِلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ وَقَدْ كُنْتَ وَكُنْتَ؟ فَقَالَ: وَمِنْ أَحَقُّ بِالْبُكَاءِ مِنِّي وَسَفَرِي بَعِيدٌ، وَزَادِي قَلِيلٌ، وَأَمْسَيْتُ فِي صُعُودٍ وَهُبُوطٍ مِنْ جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ فَلَا أَدْرِي إِلَى أَيِّهِمَا أَصِيرُ.

وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ فَرَضَ عَلَى نَفْسِهِ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ رَكْعَةٍ، يَقُومُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَلَا يَزَالُ قَائِمًا إِلَى الْعَصْرِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ وَقَدِ انْتَفَخَتْ سَاقَاهُ وَقَدَمَاهُ، فَيَقُولُ: يَا نَفْسُ، يَا أَمَّارَةُ بِالسُّوءِ، إِنَّمَا خُلِقْتِ لِلْعِبَادَةِ.

وَكَانَ حَمَمَةُ، وَهُوَ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، عَارَضَهُ يَوْمًا وَكَانَ يُصَلِّي فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>