للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لك همة عظيمة؟ فقال: إن لي همة عظيمة بشرط: إن كانت بغيتي عندك تبعتك.

قال: وما بغيتك؟ قال: حياة لا موت فيها، وشباب ليس معه هرم، وغنى ليس معه فقر، وسرور ليس معه حزن.

قال الإسكندر: ليس ذلك عندي ولا بيدي، فقال: أي خير أرجوه عندك، إن لم يكن عندك هذه الأشياء؟ فامض لشأنك، ودعني أطلب ذلك ممن يملكه، وهو عنده.

ثم عاد إلى مكانه، ولم يلتف إلى الإسكندر.

كان عطاء السليمي ـ رحمه الله ـ إذا جن الليل خرج إلى المقابر، فيقول: يا أهل القبور، متم، فوا موتاه، وعانيتم أعمالكم، فوا عملاه، ثم يقول: غداً يكون عطاء في القبور، فلا يزال ذلك دأبه حتى يصبح.

وقال سفيان الثوري: من أكثر من ذكر القبر وجده روضة من رياض الجنة، ومن غفل عن ذكره وجده حفرة من حفر النار.

ومر علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ بالمقابر، فوقف عليها قليلاً، فقال: السلام عليكم أهل الديار الموحشة، والمحال المقفرة، أنتم لنا سلف، ونحن لكم تبع، وبكم عما قليل لاحقون، اللهم اغفر لنا ولهم، وتجاوز عنا وعنهم، طوبى لمن ذكر المعاد، للحساب، وقنع بالكفاف، ورضي في جميع أحواله عن الله تعالى.

ثم قال: يا أهل القبور، أما الزوجات فقد نكحت، وأما الديار فقد سكنت، وأما الأموال فقد قسمت، هذا خبر ما عندك، فما خبر ما عندكم؟ ثم التفت إلى أصحابه فقال: أما إنهم لو تكلموا لقالوا: وجدنا خير الزاد التقوى.

ويروى، أن رجلاً دخل على عمر بن عبد العزيز ـ رحهم الله ـ فرآه قد تغير من كثرة العبادة، فجعل يتعجب من تغير لونه واستحالة صفته، فقال: له عمر: يا ابن أخي، وما تعجبك مني؟ ! فكيف لو رأيتني بعد دخول قبري بثلاث؟ وقد خرجت الحدقتان فسالتا على الخدين، وتقطعت الشفتان، وتقلصت عن الأسنان، وخرج الصديد والدود من المنخرين والفم، وانتفخ البطن فعلا على الصدر، لو رأيت ذاك مني فهو أعجب مما رأيته الآن.

<<  <   >  >>