للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له منظرٌ في العين أبيض ناصع ... ولكنه في القلب أسود أسفعُ

ومن عاب نعت الشباب وفضل وصف الشيب فقد غاب عن شهود العيب وعالم الغيب (فما كل بيضاء شحمة ولا كل حمراء لحمة) ولما أنهى مقاله ومل مقامه شمر للرحلة أذياله وقوض خيامه فتهلل وجه الصباح وهلل بذكره (فَالِقُ الإِصْبَاحِ) [الأنعام: ٩٦] وازدهاه السرور والابتهاج كأنه رب السرير والتاج.

فكأنّ الصبح لمّا ... لاحَ من تحت الثريا

ملكٌ أقبل في التا ... ج يفدّى ويحيّا

وبرز إلى المبارزة من بابها إذ كان من فرسانها وأربابها فسلب الليل لباسه وأذاقه شدته وبأسه وقال له أيها المعجب بنفسه المغرب في نقشه صحيفة زوره بنقسه (ما كل سوداء تمرة ولا كل صهباء خمرة) ألم تعلم أينا أبهى محيا وشتان ما بين الثرى والثريا أين سوادك من بياضي وما زهر نجمك إن تلألأ زهر رياضي وكم أطلعت بدوراً في مواكب السيارة فأضحت تزهو بجمالها على الكواكب السيارة وهل لك مثل الغزالة التي انفردت في الملاحة لا محالة فأنا الذي ضاء صباح الصباحة من محياه وضاع عبير العنبر من نشر أنفاسه وطيب رياه ولولاي ما عرف الحسن والجمال على وجه الأرض بدر الكمال: فوجم (الليل) لبراعة تلك العبارة وبلاغة ما لاح له من الرمز والإشارة ثم وثب للمقال كأنما أنشط من عقال وقال (رب ملوم لا ذنب له) ومظلوم خبيث الدهر أمله فإلى متى يسوءني النهار وحتى ما يسومني عذاب النار طالما أعرته أذناً صماء وعيناً عمياء وهو لا ينثني عن المقابلة ولا يرعوي عن المحاربة والمقاتلة أما تعلم أيها المغتر ببياضك أن السواد حلية أهل الزهد والصلاح وهل يسترق الأسود إلا سود أحداق الملاح بيد أن الحر لا يبالي بالجمال الظاهر وإنما يباهي بالفعل

<<  <  ج: ص:  >  >>