للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولقرب القمر منا وخلو جوه من الهواء سهل رصده علينا، فنرى في صفحته عند الشروق ليلة التمام كثيراً من المحو، يجعل صورته أشبه بوجه إنسان ذي أنف وفم وحاجبين وعينين إحداهما مغضية، ولا يزال كذلك، حتى يتعدى خط زوال مكان الناظر، فإذا مال إلى المغرب انحرفت هذه الصورة حتى يصير عاليها سافلها، وليس هذا المحو إلا ظلام بطون الأودية والسهول البعيدة الغور وظلال الجبال والهضاب الشاهقة الطول شهوقاً يكاد يمنع استدارته أما قمم الجبال وسطوحها المقابلة للشمس فترى لامعة ساطعة فتبين سلاسل الجبال طرائق مضيئة وقممها نقطاً لامعة وفوهات جبال ناره الشديدة السعة البعيدة الغور التي تعد بعشرات الألوف كأنها حلقات وسطها نقط سود.

وقد ظن القدماء في علة المحو ظنوناً بعضها صادف الحقيقة وبعضها جانبها حتى ظهر غاليليو واخترع سنة ١٦٠٦ م مرقباً يقرب الأشباح ثلاثين مسافة فأثبت وجود الجبال والأودية فيه، وزاد عليه غيره في تحسين المراقب المكبرة حتى أصبح القمر يرى كأنه على بعد أربعين ميلاً منا، على أن هذا القرب لا يجعلنا نرى الأشباح الصغيرة التي من نوع الحيوان لنتحقق أللقمر سكان كما للأرض أو لا، ولكن قد اصبح من المرجح إن لم يكن من المحقق أنه خال من الماء ومن السحاب والضباب الناشئين منه ومن البنات، إذ لو كان به شيء منها لتغير شكله من حال إلى حال، ويشك أن له هواء، وإن كان له فلعله لا يزيد على قمم جباله، ولا شك أن الماء والهواء هما ينبوعا الحياة وتجرده منهما وخمود جبال ناره ويبس جرمه يجعل برده شديداً جداً في الليل وحره عظيماً جداً في النهار، على فرط طولهما البالغ فيه خمسة عشر يوماً: مما يجعل الحياة فيه متعسرة بل مستحيلة، اللهم إلا أن تكون حياة غير حياتنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>