للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن المشاور إما صائبٌ غرضاً ... أو مخطئٌ غير منسوب إلى الخطل

لا تحقر الرّأي يأتيك الحقير به ... فالنحلُ وهو ذبابٌ طائر العسل

ولا يغرنك ودٌّ من أخي أمل ... حتى تجربه في غيبة الأمل

لا تجزعنّ لخطب ما به حيلٌ ... تغنى وإلا فلا تعجز عن الحيل

وقدرُ شكر الفتى لله نعمتهُ ... كقدرِ صبِر الفتى للحادث الجلل

وإن أخوف نهج ما خشيت به ... ذهاب حريةٍ أو مرتضى عمل

لا تفرحنّ بسقطات الرجال ولا ... تهزأ بغيرك واحذر صولة الدُّول

أحقّ شيءٍ بردّ ما تخالفه ... شهادةُ الدّين فافهم صنعة الجدل

وقيمة المرءِ ما قد كان يحسنهُ ... فاطلب لنفسك ما تعلو به وصل

وكلُ علم جناه ممكنٌ أبداً ... إلاّ إذا اعتصم الإنسانُ بالكسل

والمال صنهُ وورثهُ العدوّ ولا ... تحتج حياتك للإخوان في الأكل

فخير مالِ الفتى مال يصون به ... عرضاً وينفقهُ في أشرف السُّبل

وأفضل البّر مالاً منَّ يتبعهُ ... ولا تقدّمه شيءٌ من المطل

فإنما الجود بذلٌ لم تكلف به ... صنعاً ولم تنتظر فيه جزا رجل

إن الصنائع أطواق إذا شكرت ... وإن كفرت فأغلال لمنتحل

وإن عندي الخطا أفضل من ... إصابةٍ حصلت بالمنع والبخل

خير من الخير مسديهِ إليك كما ... شرٌ من الشرّ أهل المطل والدَّخل

ظواهرُ العتب للإخوان أيسر من ... بواطن الحقدِ في التّسديد للخلل

***

دعِ الجموحَ وسامحهُ تغظهُ ولا ... تصحب سوى السّمح واحذر سقطة العجل

والقَ الأحبّة والإخوان قطعوا ... حبلَ الوداد بحبل منك متصل

فأعجزُ الناس حرٌ ضاع من يده ... صديق ودّ فلم يردده بالحيل

من يقظةٍ بالفتى إظهارُ غفلته ... مع التحفُّظ من غدرٍ ومن ختل

وكن مع الخلق ما كانوا لخالقهم ... واحذر معاشرة الأوغاد والسّفل

واخش الأذى عند إكرام اللّئيم ... تخشى الأذى إن أهنت الحرّ ذا النّبل

واصبر لواحدة تأمن توابعها ... فربما كانت الصُّغرى من الأول

ولا يغرَّنك من مرقّى سهولتهُ ... فربما ضقتَ ذرعاً منه في النُّزُل

*** من المروءة تركُ المرء شهوتهُ=فانظر لأيهما آثرت فاحتمل شرُّ الورى من بعيب الناس مشتغل=مثلُ الدُّباب يراعي موضعَ العلل

لو كنت كالرّمح في الأعمال معتدلاً ... لقالت الناسُ هذا غيرُ معتدل

يا ظالماً جار فيمن لا نصير له ... إلا المهيمنُ لا تغترّ بالمهل

غداً تموت ويقضي الله بينكما ... بحكمه الحقّ لا بالزّيغ والميل

وإن أولى الملا بالعفو أقدرهم ... على العقوبة إن يظفر بذي زلل

[وقال تقي الدين أبو بكر بن حجة الحموي المتوفى سنة ٨٣٧ هـ?]

"أرجوزة استخلصها من كتاب الصادح والباغم"

العيشُ بالرزق والتّقدير ... وليس بالرأي ولا والتدبير

في الناس من تسعدهُ الأقدار ... وفعلهُ جميعهُ إدبار

من عرف الله أزال التُّهمة ... وقال كلُّ فعلهِ للحكمة

من أنكر القضاءَ فهو مشرك ... إن القضاء بالعباد أملكُ

ونحن لا نشرك بالله ولا ... نقنط من رحمته إذ نبتلى

عارٌ علينا وقبيحُ ذكرِ ... أن نجعل الكفرَ مكان الشكر

وليس في العالِم ظلمٌ جاري ... إذ كان ما يجري بأمرِ الباري

وأسعدُ العالِم عند الله ... من ساعد الناسَ بفضل الجاه

ومن أغاث البائس الملهوفا ... أغاثهُ الله إذا أخفيا

إنّ العظيمَ يدفع العظيما ... كما الجسيم يحمل الجسيما

فإنّ من خلائق الكرام ... رحمةَ ذي البلاء والأسقام

وإنّ من شرائط العلو ... العطفَ في البؤس على العدو

قد قضت العقول أنّ الشفقة ... على الصديق والعدوّ صدقه

وقد علمتَ واللبيب يعلم ... بالطبع لا يرحم من لا يرحم

فالمرءُ لا يدري متى يمتحن ... فإنه في دهره مرتهن

وإن نجا اليومَ فما ينجو غداً ... لا يأمن الآفات إلا ذو الرَّدى

لا تغْترِر بالخفض والسلامة ... فإنما الحياة كالمدامه

والعمرُ مثل الكأسِ والدَّهر القدر ... والصفو لا بدَّ له من الكدر

وكلُّ إنسان فلا بدَّ له ... من صاحب يحمل ما أثقلهُ

جهد البلاء صحبة الأضداد ... فإنها كيٌّ على الفؤاد

أعظم ما يلقى الفتى من جهد ... أن يبتلى في جنسهِ بالضَّدّ

فإنما الرّجال بالإخوان ... واليد بالساعد والبنان

لا يحقر الصُّحبة إلا جاهل ... أو مارقٌ عن الرّشاد غافل

صحبةُ يوم نسبٌ قريب ... وذمَّة يحفظها اللّبيب

وموجب الصّداقة المساعدة ... ومقتضى المودَّة المعاضدة

لا سيّما في النوب الشدائد ... والمحن العظيمة والأوابد

فالمرءُ يحيي أبداً أخاه ... وهو إذا ما عدّ من أعداه

إن من عاشر قوماً يوماً ... ينصرهم ولا يخاف لوما

وإن من حارب من لا يقوى ... لحربه جر إليه البلوى

فحارب الأكفاءَ والأقرانا ... فالمرء لا يحارب السلطانا

واقنع إذا حاربت بالسلامة ... واحذر فعالاً لا توجب النَّدامة

فالتاجر الكيّس في التجارة ... من خاف من متجره الخسارة

يجهد في تحصيل رأس ماله ... ثم يروم الّربح باحتياله

وإن رأيت النّصر قد لاح لكا ... فلا تقصر واحترْز أن تهلكا

واسبق إلى لأجود سبق الناقدِ ... فسبقك الخصم من المكايد

وانتهز الفرصة إن الفرصة ... تصير إن لم تنتهزها غصّة

كم بطر الغالب يوماً فترك ... عنه التوقّي واستهان فهلك

ومن أضاع جنده في السّلم ... لم يحفظوه في لقاء الخصم

وإن من لا يحفظَ القلوبا ... يخذل حين يشهد الحروبا

والجند لا يرعون من أضاعهم ... كلاّ ولا يحمون من أجاعهم

وأضعفُ الملوك طرَّا عقدا ... من غرَّه السلم فأقصى الجندا

والحزم والتّدبير روح العزم ... لاخيرَ في عزم بغير حزم

والحزم كلذ الحزم في المطاولة ... والصّبر ف يسرعة المزاولة

وفي الخطوب تظهر الجواهرُ ... ما غلبَ الأيام إلاّ الصابر

لا تيأسنْ من فرج ولطف ... وقوَّة تظهرُ بعدَ ضعف

فربَّما جاءك بعد اليأس ... روحٌ بلا كدّ ولا التماس

في لمحة الطرف بكاءٌ وضحكْ ... وناجد بادٍ ودمع ينسفك

ينال بالرّفق وبالتأنّي ... مالم تنلْ بالحرص والتّعنّي

ماأحسنَ الثَّباتَ والتجلُّدا ... وأقبح الحيرة والتَّبلُّدا

ليس الفتى إلا الذي إن طرقه ... خطبٌ تلقّاه بصبر وثقة

إذا الرَّزايا أقبلت ولم تقف ... فثمَّ أحوالُ الرّجال تختلف

وكم لقيتُ لذَّة في زمني ... فأصبرُ الآن لهذي المحن

فالموتُ لايكون إلا مرّة ... والموتُ أحلى من حياة مرّة

إني من الموت على يقين ... فأجهدُ الآن لما يقيني

صبراً على أهوالها ولا ضجرْ ... وربّما فاز الفتى إذا صبر

لا يجزع الحرّ من المصائب ... كلاّ ولا يخضع للنَّوائب

فالحرُّ للعبءِ الثّقيل يحملُ ... والصبرُ عند النّائبات يحمل

لكل شيءٍ مدَّةٌ وتنقضي ... ما غلب الأيامَ إلا منْ رضي

قد صدق القائلُ في الكلام ... ليس النُّهى بعظم العظام

لا خيَر في جسامة الأجسام ... بل هو في العقول والأفهام

فالخيل للحرب وللجمال=والإبل للحمل وللتَّرحال

لاتحتقر شيئاً صغيراً يحتقر ... فربمّا أسالت الدّم الإبرْ

لاتحرج الخصم ففي إحراجه ... جميعُ ما تكره من لجاجهِ

لاتطلب الفائتَ باللّجاج ... وكنْ إذا كويت ذا إنضاج

فعاجز من ترك الموجودا ... طماعةً وطلبَ المفقودا

وفتّش الأمور عن أسرارها ... كم نكتةٍ جاءتك معْ إظهارها

لزمتَ للجهل قبيح الظاهرِ ... وما نظرتَ حسن السَّرائر

ليس يضرُّ البدر في سناه ... أنّ الضّرير قطُّ لا يراه

كم حكمةٍ أضحت بها المحافل ... نافقةً وأنت عنها غافل

ويغفلون عن خفي الحكمة ... ولو رأوها لأزالوا التُّهمة

كم حسن ظاهرهُ قبيحُ ... وسمجٍ عنوانهُ مليح

والحق قد تعلمه ثقيلُ ... أبوهُ إلا نفرٌ قليلُ

فالعاقل الكامل في الرّجال ... لا ينثني لزخرف المقال

إن العدوّ قولهُ مردودُ ... وقلّما يصدق الحسود

لا تقبلُ الدعوى بغير شاهد ... لاسيما إن كان من معاند

أيؤخذ البريءُ بالسَّقيم ... والرَّجل المحسن باللّئيم

كذاك من يستنصح الأعادي ... يردونه بالغشّ والفساد

إن أكلَّ من ترى أذهانا ... منْ حسب الإساءة الإحسانا

فادفع إساءة العدى بالحسنى ... ولا تخلْ يسراك مثل اليمنى

وللرجال فاعلمنْ مكايدُ ... وخدعٌ منكرةٌ شدائدُ

فالنَّدب لا يخضع للشّدائد ... قطّ ولا يغتاظ بالمكائد

فرقّع الخرق بلطفٍ واجتهد ... وامك إذا لم ينفع الصّدق وكد

فهكذا الحازم إذ يكيدُ ... يبلغ في الأعداء ما يريد

وهو بريءٌ منهم في الظاهر ... وغيرهُ مختضب الأظافر

والشهمُ من يصلح أمر نفسه ... ولو بقتل ولده وعرسه

فإن من يقصد قلعُ ضرسه ... لم يعتمدْ إلاّ صلاح نفسه

وإن من خصّ اللئيم بالندى ... وجدته كمن يربّي أسدا

وليس في طبعِ اللئيم شكر ... وليس في أصل الدّنيء نصر

وإن من ألزَمهُ وكلّفه ... ضدُّ الذي في طبعه ما أنصفه

كذاك من يصطنع الجهّالا ... ويؤثرِ الأرذال والأنذال

لو أنكم أفاضلُ أحرارُ ... ما ظهرتْ بينكم الأسرار

إن الأصول تجذب الفروعا ... والعرق دساسٌ إذا أضيعا

ما طاب فرعٌ أصله خبيثُ ... ولازكا من مجدهُ حديث

قد يدركون رتباً في الدُّنيا ... ويبلغون وطراً من بقيا

لكنك لا يبلغون في الكرم ... مبلغ من كان له فيها قدم

وكلّ من تماثلتْ أطرافهُ ... في طيبها وكرمتْ أسلافه

كان خليقا بالعلى وبالكرم ... وبرعتْ في أصله حسن الشّيم

لولا بنو آدم بين العالمِ ... ما بان للعقول فضل العالم

فواحدٌ يعطيك فضلاً وكرم ... فذاك من يكفرهُ فقد ظلم

وواحدٌ يعطيك للمصانعة ... أو حاجةٍ له إليك واقعة

لا تشرهنْ إلى حطامٍ عاجلِ ... كم أكلةٍ أودت بنفس الآكل

واحذر أخيَّ يا فتى من الشّره ... وقس بما رأيته مالم تره

فليس من عقل الفتى أو كرمه ... إفسادُ شخص كامل لقرمه

فالبغيُ داءٌ ماله دواء ... ليس لملكِ معه بقاء

لاتعطيْن شيئاً بغير فائدة ... فإنها من السّجايا الفاسدة

["وللإمام علي الرضا المتوفي سنة ٧٧هـ?"]

واعجباً للمرء في ذاته ... يجرُّ ذيل التّيه في خطرته

يزجره الوعظ فلا ينتهي ... كأنه الميت في سكرته

يبارز الله بعصيانه ... جهراً ولا يخشاه في خلوته

وإن يقع في شدّة يبتهل ... فإن نجا عاد إلى عادته

أرغب لمولاك وكن راشداً ... وأعلم بأن العز في خدمته

واتل كتاب الله تهدى به ... واتبع الشرع على سنته

لاتحرصن فالحرص يزري بالفتى ... ويذهب الرونق من بهجته

والحظ لا تجلبه حيلة ... كيف يخاف المرء من فوتته؟

<<  <  ج: ص:  >  >>