للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمقصود هنا أن من أقر بصحة السمع وأنه علم صحته بالعقل لا يمكنه أن يعرضه بالعقل البتة، لأن العقل عنده هو الشاهد بصحة السمع، فإذا شهد مرة أخري بفساده كانت دلالته متناقضة، فلا يصلح لا لإثبات السمع ولا لمعارضته.

[اعتراض: الشهادة بصحة السمع ما لم يعارض العقل]

فإن قال: أنا أشهد بصحته ما لم يعارض العقل.

[الرد عليه من وجوه: الأول]

قيل: هذا لا يصح لوجوه:

أحدهما: أن الدليل العقلي دل علي صدق الرسول وثبوت ما أخبر به مطلقاً، فلا يجوز أن يكون صدقه مشروطاً بعدم المعارض.

[الثاني]

الثاني: أنك إن جوزت عليه أن يعارضه العقل الدال علي فساده لم تثق بشيء منه، لجواز أن يكون في عقل غيرك ما يدل علي فساده، فلا تكون قد علمت بعقلك صحته البتة، وأنت علمت صحته بالعقل.

[الثالث]

الثالث: أن ما يستخرجه الناس بعقولهم أمر لا غاية له، سواء كان حقاً أو باطلاً، فإذا جوز المجوز أن يكون في المعقولات ما يناقض خبر الرسول لم يثق بشيء من أخبار الرسول، لجواز أن يكون في المعقولات التي لم تظهر له بعد ما يناقض ما أخبر به الرسول.

ومن قال: أنا أقر من الصفات بما لم ينفه العقل، أو أثبت من السمعيات ما لم يخالفه العقل، لم يكن لقوله ضابط، فإن تصديقه بالسمع مشروط بعدم جنس لا ضابط له ولا منتهى، وما كان مشروطا بعدم ما لا ينضبط لم ينضبط، فلا يبقي مع هذا الأصل إيمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>