للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النفاة فجميعها مبناها على ألفاظ مجملة متشابهة، ومعان متشابهة.

ولهذا متى وقع الاستفسار والتفصيل لمجمل كلامهم، ووقع البيان والتفصيل لمشتبه معانيهم، تبين لكل عاقل فاهم أن النفاة جمعوا بين المختلفات، وفرقوا بين المتماثلات، وسووا بين الشيئين اللذين هما في غاية التباين، لاشتراكهما في بعض الصفات.

ولهذا كان مآل أمرهم إلى أن جعلوا الوجود واحداً، فجعلوا وجود الخالق رب العالمين- الذي لا يماثله شيء من الموجودات بوجه من الوجوه، ومباينته لكل موجود أعظم من مباينة كل موجود لكل موجود - هو وجود أحقر المخلوقات وأصغر المخلوقات، أو مماثلا له لاتفاقهما في مسمى الوجود أو مسمى الذات أو الحقيقة، وصار أئمتهم النظار في هذه المسألة التي هي أول ما ينبغي لذي النظر أن يعرفه في حيرة عظيمة، فهذا يقول: الوجود واحد لاشتراك الموجودات في مسمى الوجود، ولا يميز بين الواحد بالعين، والواحد بالنوع أو الجنس اللغوي.

وهذا يقول: وجوده وجود مطلق: إما بشرط الاطلاق، وإما مطلقاً لا بشرط، وإما بشرط سلب جميع الأمور الثبوتية عنه، وهذا يمتنع ثبوته عنه، وهذا يمتنع ثبوته في الموجودات، وإنما يكون مثل هذا فيما تقدره الأذهان، لا فيما يوجد في الأعيان.

وغاية من يجعل ذلك ثابتاً في الخارج، أن يجعل وجود الخالق هو وجود المخلوقات، أو جزءاً منها، فيجعل افتقاره إلى المخلوقات كافتقار المخلوقات إليه، كما يقول من يفرق بين الوجود والثبوت.

<<  <  ج: ص:  >  >>